قال شيخنا: ولما كان عام إحدى وسبع مئة أحضر جماعة من يهود دمشق عهودا ادعوا أنها قديمة، وكلها بخط علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وقد غشوها بما يقتضي تعظيمها، وكانت قد نفقت على ولاة الأمور من مدة طويلة، فأسقطت عنهم الجزية بسببها، وبأيديهم تواقيع ولاة، فلما وقفت عليها تبين في نفسها ما يدل على كذبها من وجوه كثيرة جدا:
منها: اختلاف الخطوط اختلافا متفاقما في تأليف الحروف، الذي يعلم معه أن ذلك لا يصدر عن كاتب واحد، وكلها نافية أنه خط علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
ومنها: أن فيها من اللحن الذي يخالف لغة العرب ما لا يجوز نسبة مثله إلى علي - رضي الله عنه - ولا غيره.
ومنها: الكلام الذي لا يجوز نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق اليهود، مثل قوله: أنهم يعاملون بالإجلال والإكرام، وقوله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وقوله: أحسن الله بكم الجزاء، وقوله: وعليه أن يكرم محسنكم ويعفو عن مسيئكم، وغير ذلك.
ومنها: أن في الكتاب إسقاط الخراج عنهم مع كونهم في أرض الحجاز، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضع خراجا قط، وأرض الحجاز لا خراج فيها بحال، والخراج أمر يجب على المسلمين، فكيف يسقط عن أهل الذمة؟ !
ومنها: أن في بعضها إسقاط الكلف والسخر عنهم، وهذا مما فعله الملوك المتأخرون، لم يشرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه.
وفي بعضها: أنه شهد عنده عبد الله بن سلام وكعب بن مالك