للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَيْهِ، وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَيْسَرَ وَلَا أَخَفَّ حَاذًا مِنِّي حِينَ (١) تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، قَالَ: "أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَكُمُ الْحَدِيثَ، قُمْ حَتى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ"، فَقُمْتُ فَثَارَ (٢) عَلَى أَثَرِي أُنَاسٌ مِنْ قَوْمِي يُؤَنِّبُونِي، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَطُّ قَبْلَ هَذَا فَهَلَّا اعْتَذَرْتَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعُذْرٍ رَضِيَ عَنْكَ فِيهِ، وَكَانَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَيَأْتي مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، وَلِمَ تَقِفْ مَوْقِفًا لَا تَدْرِي مَا يُقْضَى لَكَ فِيهِ، فَلَمْ يَزَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، فَقُلْتُ: هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ غَيْرِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَهُ هِلَالُ بْنُ أمَيُّةَ، وَمُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَذَكَرُوا رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي هَذَا أَبَدًا، وَلَا أكُذِّبُ نَفْسِي، قَالَ: وَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَخْرُجُ إِلَى السُّوقِ فَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَتَنَكَّرَ لَنَا النَّاسُ حَتَّى مَا هُمْ بِالَّذِينَ نَعْرِفُ، وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الْحِيطَانُ حَتَّى مَا هِيَ بِالْحِيطَانِ الَّتِي تُعْرَفُ لَنَا، وَتَنَكَّرَتْ * لَنَا الْأَرْضُ حَتَّى مَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي نَعْرِفُ، وَكُنْتُ أَقْوَى النَّاسِ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فِي السُّوقِ، فَآتِي الْمَسْجِدَ فَأَدْخُلُ، وَآتِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأَقُولُ: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالسَّلَامِ؟ فَإِذَا قُمْتُ أُصلِّي إِلَى سَارِيَةٍ (٣)، فَأَقْبَلْتُ قِبَلَ صَلَاتي نَظَرَ إِلَيَّ بِمُؤَخَّرِ عَيْنَيْهِ، وإِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ أَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: وَاسْتَكَانَ صَاحِبَايَ فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يُطْلِعَانِ رُءُوسَهُمَا، فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ فِي السُّوقِ إِذَا رَجُلٌ نَصرَانِيٌّ جَاءَ بِطَعَامٍ لَهُ يَبِيعُهُ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ قَالَ: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ فَأَتَانِي، وَأَتَانِي بِصَحِيفَةٍ مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهَا: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَأَقْصَاكَ، وَلَسْتَ بِدَارِ مَضْيَعَةٍ وَلَا هَوَانٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ، قَالَ: فَقُلْتُ هَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ وَالشَّرِّ، فَسَجَرْتُ بِهَا


(١) في الأصل: "حيث"، والتصويب من "المسند".
(٢) في الأصل: "فنادى"، والمثبت من "المسند"، وهو أليق بالسياق.
الثوران: النهوض. (انظر: المشارق) (١/ ١٣٥).
* [٣/ ٨١ أ].
(٣) السارية: الأسطوانة، وهي: العمود، والجمع: سوارٍ. (انظر: المعجم الوسيط، مادة: سري).

<<  <  ج: ص:  >  >>