اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ الْعَارِيَّةِ فَقَدْ عَرَّفَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ الْكَرْخِيُّ الْعَارِيَّةَ بِأَنَّهَا إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ عَلَى كَوْنِ الْعَارِيَّةِ إبَاحَةً (أَوَّلًا) : تَنْعَقِدُ الْعَارِيَّةُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ، (ثَانِيًا) لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَارِيَّةِ بَيَانُ الْمُدَّةِ وَالْحَالُ أَنَّ التَّمْلِيكَ بِدُونِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ لَيْسَ بِجَائِزٍ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٤٥٢) .
سُؤَالٌ - الِاتِّخَاذُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى حُصُولِ الْإِنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَعْمَلُهُ. فَبِنَاءً عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ صُنْعٌ وَلَا عَمَلٌ فِي الْأَمَانَةِ الَّتِي تَصِلُ لِيَدِ شَخْصٍ فِي حَالَةِ وُقُوعِ مَالِ الْجَارِ فِي بَيْتِ جَارِهِ فِيمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ وَأَلْقَتْ الْمَالَ فِي الْبَيْتِ الْآخَرِ مَثَلًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَارَ لَمْ يُتَّخَذْ أَمِينًا عَلَى الْمَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ وَمَالِكِ الْأَمَانَةِ. فَإِذَنْ الْقَسِيمُ مُبَايِنٌ لِلْمُقْسِمِ. الْجَوَابُ - الْمَقْصُودُ مِنْ الِاتِّخَاذِ لَيْسَ اتِّخَاذَ مَالِكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ حَصْرًا فَقَطْ بَلْ سَوَاءٌ أَكَانَ الِاتِّخَاذُ مِنْ طَرَفِ مَالِكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا هِيَ الْحَالَةُ فِي الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَفِي الْمَأْجُورِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَمِينًا وَمُعْتَمَدًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمَّا مِنْ قِبَلِ الشَّرِيعَةِ كَمَا هُوَ الْأَمْرُ فِي اللُّقَطَةِ وَفِي الْمَالِ الَّذِي أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي بَيْتِ الْجِيرَانِ.
وَلَا شَكَّ بِأَنَّهُ إذَا صَارَ مَالٌ فِي يَدِ شَخْصٍ بِدُونِ عَقْدٍ وَلَا قَصْدٍ يَتَّخِذُ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ ذَلِكَ الشَّخْصَ أَمِينًا أَيْ يَأْمُرُهُ بِالْمُحَافَظَةِ كَيْ يَرُدَّهُ أَخِيرًا إلَى صَاحِبِهِ وَسَوَاءٌ أَجُعِلَ ذَلِكَ الشَّيْءُ أَمَانَةً بِعَقْدِ الِاسْتِحْفَاظِ كَالْوَدِيعَةِ وَبِمَا أَنَّ الْأَمَانَةَ لَا تَكُونُ بِعَقْدِ الِاسْتِحْفَاظِ إلَّا فِي الْوَدِيعَةِ (فَكَافُ) التَّشْبِيهِ هُنَا زَائِدَةٌ أَمْ كَانَ أَمَانَةً ضِمْنَ عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ أَوْ غَيْرِ صَحِيحٍ كَالْمَبِيعِ الَّذِي قَبَضَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَالْمَأْجُورِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمَرْهُونِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ وَالْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قِبَلِ الْوَكِيلِ مِنْ جِهَةِ الْوَكَالَةِ.
إذْ أَنَّ الْمَأْجُورَ صَارَ أَمَانَةً ضِمْنَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْمَرْهُونَ ضِمْنَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَمَالَ الْمُضَارَبَةِ وَغَيْرَهُ ضِمْنَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ. يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّ عَقْدَ الْإِيدَاعِ كَانَ لِأَجْلِ الِاسْتِحْفَاظِ فَقَطْ وَالْأَمَانَاتُ الْأُخْرَى لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْفَاظِ أَيْ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَالْأَصْلِيَّ فِيهِ لَيْسَ الِاسْتِحْفَاظُ بَلْ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُهُ فَالْمَأْجُورُ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ أَمَانَةً فَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ فِيهِ لَيْسَ الْحِفْظُ بَلْ تَمْلِيكٌ وَالْحِفْظُ فِيهَا كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٦٠٧) تَبَعِيٌّ وَضِمْنِيٌّ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ. لِأَنَّ حِفْظَ الْمَأْجُورِ لَازِمٌ لِتَأْمِينِ الِانْتِفَاعِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْهُ وَسَوَاءٌ أَصَارَ أَمَانَةً فِي يَدِ شَخْصٍ بِدُونِ سَبْقِ عَقْدٍ وَقَصْدٍ مَا كَمَالِ الْيَتِيمِ الْمَوْجُودِ فِي يَدِ الْأَبِ وَالْحَاكِمِ وَاللُّقَطَةِ الَّتِي وَجَدَهَا الْمُلْتَقِطُ فَحَفِظَهَا لِأَجْلِ أَنْ يُعِيدَهَا إلَى مَالِكِهَا. أَوْ صَارَ أَمَانَةً فِي يَدِ رَجُلٍ بِلَا قَصْدٍ.
فَمَالُ الْيَتِيمِ الْمَوْجُودُ فِي يَدِ الْوَصِيِّ وَمَالُ الْوَقْفِ الَّذِي فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي وَالْعَيْنُ الْمَوْجُودَةُ فِي يَدِ الْمُوصَى لَهُ بِالِانْتِفَاعِ مِنْهَا أَمَانَةٌ وَلَيْسَتْ وَدِيعَةً (الْبَحْرُ) .
كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْ الرِّيحُ مَالَ أَحَدٍ عَلَى بَيْتِ جَارِهِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَنَظَرًا لِعَدَمِ وُجُودِ الْقَصْدِ وَالْعَقْدِ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute