[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ]
يُسْتَدَلُّ مِنْ هَذَا الْعِنْوَانِ أَنَّ الْمَوَادَّ الْمُنْدَرِجَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مُخْتَصَّةٌ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ. مَا عَدَا الْمَادَّةَ (٦٤٣) الْآتِيَةَ فَإِنَّ حُكْمَهَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْمَلَ الْكَفَالَةَ بِأَنْوَاعِهَا الْأَرْبَعَةِ. وَالْمَجَلَّةُ وَإِنْ بَحَثَتْ عَنْ أَحْكَامِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَضَعْ بَابًا خَاصًّا لِأَحْكَامِ الْكَفَالَةِ بِالتَّسْلِيمِ. إذْ بَعْضُ أَحْكَامِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ قَدْ مَرَّ فِي الْمَادَّةِ (٦٤١) وَبَعْضُهَا سَيَأْتِي فِي الْمَادَّةِ التَّالِيَةِ: (الْمَادَّةُ ٦٤٣) الْكَفِيلُ ضَامِنٌ.
هَذِهِ الْمَادَّةُ تَرْجَمَتْ الْحَدِيثَ الشَّرِيفَ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» كَمَا بَيَّنَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ. أَيْ عَلَى الْكَفِيلِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَكْفُولَ بِهِ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ دَيْنًا كَثَمَنِ الْمَبِيعِ أَمْ عَيْنًا مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا كَالْمَالِ الْمَقْبُوضِ بِطَرِيقِ سَوْمِ الشِّرَاءِ وَقَدْ سَمَّى ثَمَنَهُ وَالْمَبِيعِ الْفَاسِدِ وَالْمَغْصُوبِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) أَوْ نَفْسًا كَمَا فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَهَلْ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ غُرْمٌ وَضَمَانٌ؟ وَهَذَا السُّؤَالُ قَدْ مَرَّ جَوَابُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٦١٣) .
وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْإِيضَاحَاتِ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَادَّةِ يَشْمَلُ الْكَفَالَةَ بِأَنْوَاعِهَا الْأَرْبَعَةِ.
وَسَتُفَصَّلُ كَيْفِيَّةُ ضَمَانِ الْكَفِيلِ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ وَالْمَادَّةِ (٦٤٥) الَّتِي بَعْدَهَا.
وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ ادَّعَى الْكَفِيلُ بَعْدَ أَنْ كَفَلَ بِدَيْنِ أَحَدٍ أَنَّ الْكَفَالَةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (٦٣١) ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالُ رِشْوَةٍ أَوْ قِمَارٍ وَأَقَرَّ الْمَكْفُولُ لَهُ بِذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ شَيْءٌ. أَمَّا إذَا أَنْكَرَ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْكَفِيلِ إقَامَةُ الشُّهُودِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الدَّيْنَ رِشْوَةٌ أَوْ قِمَارٌ أَوْ أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ مَالُ رِشْوَةٍ أَوْ قِمَارٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ تَحْلِيفَ الْمَكْفُولِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ الْكَفَالَةِ وَالْأَنْقِرْوِيّ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ) ؛ لِأَنَّ كَفَالَةَ الْكَفِيلِ بِدَيْنٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَادِّعَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا الِادِّعَاءَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ؛ لِأَنَّهُ تَنَاقُضٌ.
كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ بَعْدَ أَنْ كَفَلَ بِثَمَنِ مَبِيعٍ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ فَاسِدًا وَأَنَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ فَلَا يُسْمَعُ ادِّعَاؤُهُ. (عَلِيٌّ أَفَنْدِي فِي الدَّعْوَى فِي الْكَفَالَةِ وَمَا يُنَاسِبُهَا) (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١٠٠)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute