[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِمُدَّةِ الْإِجَارَةِ]
ِ (الْمَادَّةُ ٤٨٤) لِلْمَالِكِ أَنْ يُؤَجِّرَ مَالَهُ وَمِلْكَهُ لِغَيْرِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً قَصِيرَةً كَانَتْ كَالْيَوْمِ أَوْ طَوِيلَةً كَالسَّنَةِ.
أَيْ أَنَّهُ لِلْمَالِكِ أَنْ يُؤَجِّرَ مَالَهُ وَمِلْكَهُ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ عَلَى إيجَارِ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً قَصِيرَةً كَانَتْ كَالْيَوْمِ وَالْأُسْبُوعِ وَالشَّهْرِ، أَوْ طَوِيلَةً كَالسَّنَةِ أَوْ عِدَّةَ السِّنِينَ.
حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً جِدًّا كَمِائَتَيْ سَنَةٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ عَادَةً أَنْ يَعِيشَهَا الْعَاقِدُ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ الْخَاصِّ كَمَا يَشَاءُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَنْشَأْ عَنْ تَصَرُّفِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لِغَيْرِهِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١١٩٢) (مَنَافِعُ الدَّقَائِقِ، وَالْأَشْبَاهُ) .
وَقَدْ قَالَ الْخَصَّافُ بِجَوَازِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُدَّةٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَهَا الْعَاقِدَانِ عَادَةً إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِعَدَمِ جَوَازِ الْإِجَارَةِ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لَيْسَ مِنْ الْعَادَةِ أَنْ يَعِيشَهَا الطَّرَفَانِ.
وَيُفْهَمُ مِنْ الْمُتُونِ وَالْمَجَلَّةِ أَيْضًا بِدَلِيلِ إطْلَاقِهَا ظَاهِرًا أَنَّهَا تُرَجِّحُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) أَمَّا إيجَارُ مَا لَيْسَ مُتَعَارَفًا فَلَيْسَ جَائِزًا. فَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَاةً مَثَلًا لِإِرْضَاعِ ابْنِهِ الرَّضِيعِ أَوْ حَمْلِهِ فَلَا يَكُونُ اسْتِئْجَارُهُ صَحِيحًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ، وَالْهِنْدِيَّةُ) اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٤٥١) وَقَوْلُ هَذِهِ الْمَادَّةِ (مُدَّةً مَعْلُومَةً) مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَادَّتَيْنِ (٤٥١ و ٤٥٢) .
أَمَّا قَوْلُهُ (مَالَهُ وَمِلْكَهُ) فَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ مَالِ الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ تَوْضِيحٌ فِي مَالِ الْوَقْفِ: يَجِبُ أَوَّلًا فِي إيجَارِ الْوَقْفِ مُرَاعَاةُ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَاتِّبَاعِهِ. فَإِنْ شَرَطَ إيجَارَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً فَيُؤَجَّرُ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ قَصِيرَةٍ فَيُؤَجَّرُ بِمِقْدَارِهَا.
مَثَلًا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ إيجَارَ الْعَقَارِ الَّذِي وَقَفَهُ لِمُدَّةٍ ثَمَانِي سَنَوَاتٍ أَوْ خَمْسٍ يُؤَجَّرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ حَتَّى إنَّهُ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَلَّا يُؤَجَّرَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِمُدَّةٍ أَزْيَدَ وَإِنْ أَجَرَ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً وَيُؤْخَذُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمُدَّةِ الَّتِي انْتَفَعَ بِهِ فِيهَا.
كَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَلَّا يُؤَجِّرَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ فَلَا يُؤَجَّرُ لِمُدَّةٍ تَتَعَدَّى السَّنَةَ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ وَالْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ لِسَنَةٍ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُؤَجِّرُهُ لِسَنَتَيْنِ، كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤْذِنَ الْمُتَوَلِّيَ فِي إيجَارِهِ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ أَيْضًا.
ثَانِيًا: وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ مُدَّةً فِي إيجَارِ وَقْفِهِ فَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يُؤَجِّرَ الْقُرَى وَالْمَزَارِعَ لِثَلَاثِ سَنَوَاتٍ.
أَمَّا الدُّورُ وَالْحَوَانِيتُ وَمَا أَشْبَهَهَا فَإِلَى سَنَةٍ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ فَوْقَ ذَلِكَ.