للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ لِلصَّغِيرِ حَسَبَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ بَيْعُ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الرُّجُوعِ. وَانْظُرْ مَا حُكْمُهُ، وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى مَا عَلَّلْنَا بِهِ كَانَ وَاجِبًا إنْ تَيَقَّنَ الرُّجُوعُ وَكَانَ الْأَبُ وَنَحْوُهُ فِي حُكْمِ الْقَاضِي (الطَّحْطَاوِيُّ) ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْهِبَةِ فَائِدَةً لِلصَّغِيرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْقُطْ فَلَا يُعْطَى لِلْبَائِعِ عِوَضٌ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ بِحَقِّ رُجُوعِهِ كَمَا سَيُوَضَّحُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٨٥٥) الْأَنْقِرْوِيُّ.

[ (الْمَادَّةُ ٨٥٤) الْهِبَةُ الْمُضَافَةُ]

(الْمَادَّةُ ٨٥٤) - (الْهِبَةُ الْمُضَافَةُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ، مَثَلًا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ اعْتِبَارًا مِنْ رَأْسِ الشَّهْرِ الْآتِي لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ) .

الْهِبَةُ الْمُضَافَةُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ أَيْ إذَا وَهَبَ أَحَدٌ شَيْئًا اعْتِبَارًا مِنْ وَقْتٍ سَيَأْتِي غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَا صَارَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٨٢) لَا تَصِحُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ إضَافَةُ التَّمْلِيكِ وَتَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ.

مَثَلًا: لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ اعْتِبَارًا مِنْ رَأْسِ الشَّهْرِ الْآتِي أَوْ اعْتِبَارًا مِنْ غَدٍ، وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: قَبِلْت، أَيْضًا لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ. وَكَذَلِكَ الرُّقْبَى لَيْسَتْ صَحِيحَةً لِأَنَّهَا هِبَةٌ مُضَافَةٌ أَيْضًا (الطَّحْطَاوِيُّ، الدُّرَرُ) .

الرُّقْبَى، هِيَ تَمْلِيكُ أَحَدٍ مَالَهُ لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِ ذَلِكَ الشَّخْصِ. وَالرُّقْبَى بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الِارْتِقَابِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَنْتَظِرُ وَيَرْتَقِبُ وَفَاةَ الْوَاهِبِ (الزَّيْلَعِيّ) . يَعْنِي كَأَنْ يَقُولَ أَحَدٌ لِآخَرَ: إذَا تُوُفِّيتُ قَبْلَكَ فَلْيَكُنْ هَذَا الْمَالُ لَك، وَإِذَا تُوُفِّيتَ قَبْلِي فَلْيَبْقَ لِي. كَأَنْ يَنْتَظِرُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْتَ الْآخَرِ، وَلَا يَمْلِكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ عَلِيٌّ أَفَنْدِي أَيْضًا أَوْ مَعْنَاهَا رَقَبَةُ دَارِي لَك وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَكِنْ لَمَّا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ تَثْبُتْ الْهِبَةُ بِالشَّكِّ فَتَكُونُ عَارِيَّةً (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ مُلَخَّصًا) .

لَكِنْ قَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ (الْخَانِيَّةُ) .

وَيُوجَدُ احْتِمَالَانِ فِي مَعْنَى الصِّحَّةِ هَذِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: (١) كَوْنُ هَذِهِ الْمُقَاوَلَةِ صَحِيحَةً تَمَامًا. فَفِي هَذَا الْحَالِ إذَا تُوُفِّيَ أَيُّهُمَا يَلْزَمُ أَنْ يَبْقَى الْمَالُ لِلْآخَرِ.

(٢) كَوْنُ الْهِبَةِ صَحِيحَةً وَالشَّرْطِ بَاطِلًا. يَعْنِي إذَا كَانَتْ هِبَةُ الْوَاهِبِ صَحِيحَةً وَتُوُفِّيَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلًا فَلَا يَعُودُ الْمَوْهُوبُ لِلْوَاهِبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الثَّانِيَ هُوَ الْمَقْصُودُ. (الشَّارِحُ) لَكِنْ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ الْمَوْهُوبُ عَارِيَّةٌ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِلدَّافِعِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ (الْهِدَايَةُ، عَبْدُ الْحَلِيمِ) وَهَذَا الْقَوْلُ يَحْتَمِلُ الْعَارِيَّةَ وَالْهِبَةَ مَعًا وَلَمَّا كَانَتْ الْهِبَةُ أَعْلَى مِنْ الْعَارِيَّةِ وَلَا يَثْبُتُ الطَّرَفُ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ فَيُحْمَلُ الْقَوْلُ عَلَى الْعَارِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَدْنَى (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ (مُضَافَةٌ) لَيْسَ احْتِرَازًا مِنْ الْمُعَلَّقَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ الْمُعَلَّقَةَ عَلَى شَرْطٍ مُحْتَمَلٍ وُجُودُهُ أَوْ عَدَمُ وُجُودِهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّمَرِ لِغَيْرِهِ: هُوَ لَك إنْ أَدْرَكَ، أَوْ قَالَ: إذَا كَانَ غَدًا فَهُوَ جَائِزٌ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .

مِثَالٌ لِلْعَيْنِ: لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ إذَا دَخَلَ الشَّخْصُ الْفُلَانِيُّ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ عَادَ فُلَانٌ مِنْ سَفَرِهِ، فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ (عَزْمِي زَادَهْ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>