للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(عُمُومُ الْمَجَازِ) تَعْرِيفُهُ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنًى كُلِّيٍّ شَامِلٍ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ.

مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ الْوَاقِفُ قَدْ وَقَفْتُ مَالِي هَذَا عَلَى أَوْلَادِي نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ فَقَرِينَةُ (نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ) تَدُلُّ عَلَى شُمُولِ لَفْظِ الْأَوْلَادِ لِكُلِّ وَلَدٍ سَوَاءٌ أَكَانَ وَلَدًا لَهُ حَقِيقَةً أَمْ وَلَدًا لَهُ مَجَازًا مِنْ أَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ وَأَبْنَائِهِمْ.

مِثَالٌ آخَرُ: لَوْ أَوْصَى شَخْصٌ لِآخَرَ بِثَمَرِ بُسْتَانِهِ فَتُحْمَلُ وَصِيَّتُهُ عَلَى الثَّمَرِ الْمَوْجُودِ أَثْنَاءَ وَفَاةِ الْمُوصِي، وَلَا تُحْمَلُ عَلَى الثَّمَرِ الَّذِي سَيَحْصُلُ فِي السِّنِينَ الْمُقْبِلَةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ يُحْمَلُ حَقِيقَةً عَلَى الثَّمَرِ الْمَوْجُودِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى ثَمَرِ الْمُسْتَقْبَلِ إلَّا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَبِمَا أَنَّهُ مِنْ الْمُمْكِنِ حَمْلُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْبَدَلِ، وَهُوَ الْمَجَازُ وَبِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ مُتَنَاوِلًا لِلثَّمَرِ الْمَوْجُودِ وَاَلَّذِي سَيُوجَدُ كَذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.

أَمَّا ذِكْرُ الْمُوصِي كَلِمَةَ أَبَدًا وَدَائِمًا حِينَمَا ذَكَرَ الثَّمَرَ فَيَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ فَتُحْمَلُ وَصِيَّتُهُ عَلَى الثَّمَرِ الْحَاصِلِ أَثْنَاءَ وَفَاةِ الْمُوصِي، وَالثَّمَرُ الَّذِي سَيَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

مِثَالٌ آخَرُ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ إنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِزَيْدٍ فَمَضْمُونُ هَذَا الْكَلَامِ الْحَقِيقِيِّ أَنَّهَا مِلْكُ زَيْدٍ وَيَكُونُ بِقَوْلِهِ هَذَا قَدْ اعْتَرَفَ بِأَنَّ تِلْكَ الدَّارَ هِيَ مِلْكُ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ، فَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّنِي لَا أَقْصِدُ بِكَلَامِي أَنَّ الدَّارَ مِلْكٌ لِزَيْدٍ، بَلْ كُنْت أَقْصِدُ أَنَّهَا مَسْكَنٌ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةِ وَأَنَّ الدَّارَ هِيَ مِلْكِي، فَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِهِ هَذَا إذْ أَنَّ (اللَّامَ) فِي كَلِمَةِ (لِزَيْدٍ) بِمَعْنَى الِاخْتِصَاصِ، وَالِاخْتِصَاصُ وَإِنْ يَكُنْ عَامًّا لِلتَّمَلُّكِ وَالسَّكَنِ فَالْمَعْنَى الْكَامِلُ فِي هَذَا الْكَلَامِ هُوَ اخْتِصَاصُ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا يُحْكَمُ بِمِلْكِيَّةِ زَيْدٍ لِتِلْكَ الدَّارِ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ.

[ (الْمَادَّةُ ١٣) لَا عِبْرَة لِلدَّلَالَة فِي مُقَابَلَةِ التَّصْرِيحِ]

(الْمَادَّةُ ١٣) :

(لَا عِبْرَةَ لِلدَّلَالَةِ فِي مُقَابَلَةِ التَّصْرِيحِ) لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ فِي مُقَابَلَةِ التَّصْرِيحِ ضَعِيفَةٌ، فَلَا تُعْتَبَرُ مُقَابِلَةً لِلتَّصْرِيحِ الْقَوِيِّ.

إنَّ اللَّفْظَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ التَّصْرِيحُ يُسَمَّى لَفْظًا صَرِيحًا.

تَعْرِيفُ الصَّرِيحِ عِنْدَ عُلَمَاءِ أُصُولِ الْفِقْهِ: هُوَ الَّذِي يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ ظَاهِرًا ظُهُورًا بَيِّنًا وَتَامًّا وَمُعْتَادًا، فَعَلَيْهِ لَوْ أَنَّ شَخْصًا كَانَ مَأْذُونًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ بِعَمَلِ شَيْءٍ فَمُنِعَ صَرَاحَةً عَنْ عَمَلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَلَا يَبْقَى اعْتِبَارٌ وَحُكِمَ لِذَلِكَ الْإِذْنِ النَّاشِئِ عَنْ الدَّلَالَةِ.

مِثَالُهُ: لَوْ دَخَلَ إنْسَانٌ دَارَ شَخْصٍ فَوَجَدَ عَلَى الْمَائِدَةِ كَأْسًا فَشَرِبَ مِنْهَا وَوَقَعَتْ الْكَأْسُ أَثْنَاءَ شُرْبِهِ وَانْكَسَرَتْ، فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ مَأْذُونٌ بِالشُّرْبِ مِنْهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَهَاهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ عَنْ الشُّرْبِ مِنْهَا وَانْكَسَرَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ أَبْطَلَ حُكْمَ الْإِذْنِ الْمُسْتَنِدِ عَلَى دَلَالَةِ الْحَالِ.

مِثَالٌ ثَانٍ: لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ مَالًا لِآخَرَ وَقَبِلَهُ، فَحُصُولُ عَقْدِ الْهِبَةِ إذْنٌ بِقَبْضِ الْمَالِ دَلَالَةٌ، فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>