[بَابٌ فِي بَيَانِ الْقِسْمَةِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى تِسْعَةِ فُصُولٍ]
ٍ دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ الْقِسْمَةِ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإجْمَاعُ الْأُمَّةِ.
الْكِتَابُ: الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ الْوَارِدَةُ فِي سُورَةِ الْقَمَرِ {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: ٢٨] مَقْسُومٌ لَهَا يَوْمٌ وَلَهُمْ يَوْمٌ، وَبَيْنَهُمْ لِتَغَلُّبِ الْعُقَلَاءِ {كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: ٢٨] يَحْضُرُهُ صَاحِبُهُ فِي نَوْبَتِهِ (تَفْسِيرُ أَبِي السُّعُودِ) .
وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: ٨] ، {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: ٤١] فَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ مَعْلُومِيَّةَ مِقْدَارِ الْخُمْسِ إنَّمَا تَكُونُ بِتَفْرِيقِهَا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ.
السُّنَّةُ: هِيَ قَوْلُ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ: «أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» . وَمُبَاشَرَتُهُ الْقِسْمَةَ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ وَقَدْ قَسَّمَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ الْغَنَائِمَ عَلَى الْغَانِمِينَ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ.
وَقَدْ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ الْقِسْمَةِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ وَالدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَالطُّورِيُّ) .
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ الْقِسْمَةِ وَتَقْسِيمِهَا]
يُتَحَرَّى فِي الْقِسْمَةِ ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءَ: تَعْرِيفُهَا وَرُكْنُهَا وَشَرْطُهَا وَحُكْمُهَا وَسَبَبُهَا وَمَحَاسِنُهَا وَصِفَتُهَا وَتَقْسِيمُهَا.
(تَعْرِيفُ الْقِسْمَةِ) قَدْ بُيِّنَ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ.
رُكْنُهَا هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ إفْرَازٌ وَتَمْيِيزٌ بَيْنَ الْأَنْصِبَاءِ كَالْكَيْلِ فِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِ فِي الْوَزْنِيِّ وَالْعَدِّ فِي الْعَدَدِيِّ وَالذَّرْعِ فِي الذَّرْعِيِّ (الزَّيْلَعِيُّ) . اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (١٠٤٧ و ١٠٤٨) .
شَرْطُهَا عَدَمُ فَوْتِ مَنْفَعَةِ الْمَالِ الْمَقْسُومِ بِالْقِسْمَةِ وَعَدَمُ تَبَدُّلِهِ، فَإِذَا فَاتَتْ مَنْفَعَتُهُ أَوْ تَبَدَّلَ الْمَالُ فَهُوَ غَيْرُ قَابِلِ الْقِسْمَةِ كَالْبِئْرِ وَالرَّحَى وَالْحَمَّامِ (الزَّيْلَعِيُّ وَالْكِفَايَةُ وَالطُّورِيُّ فِي أَوَّلِ الْقِسْمَةِ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (١١٣٠) حَيْثُ إنَّ الْقِسْمَةَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إفْرَازٍ لِلْمِلْكِ وَالْمَنْفَعَةِ الثَّابِتَةِ لِلشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْرَازُ الْمَذْكُورُ إذَا بَقِيَ الْمُفْرَزُ عَلَى حَالِهِ الْأَصْلِيِّ مَعَ مَنَافِعِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْإِفْرَازِ. أَمَّا إذَا تَبَدَّلَتْ فَيَخْرُجُ التَّقْسِيمُ الْمَذْكُورُ عَنْ كَوْنِهِ إفْرَازًا وَيُصْبِحُ تَبْدِيلًا وَعَلَى هَذَا يَرِدُ سُؤَالٌ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُبَيَّنُ فِي الْمَادَّةِ (١١٤٠) غَيْرَ قَابِلِ الْقِسْمَةِ إلَّا أَنَّهُ يُجَابُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّبَدُّلِ هُوَ التَّبَدُّلُ فِي جَمِيعِ الْمُتَقَاسَمِ فِيهِ وَلَيْسَ التَّبَدُّلُ فِي أَحَدِهِ (أَبُو السُّعُودِ) .