للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْنَعُ الصَّيَّادُ مِنْ الصَّيْدِ. كَذَلِكَ تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِهِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ حُصُولِ ضَرَرٍ بَلِيغٍ لِجِيرَانِهِ. مِثَالٌ: يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُنْشِئَ دَارًا وَيَفْتَحَ نَوَافِذَ، وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ النَّوَافِذُ الْمُرَادُ فَتْحُهَا تَكْشِفُ مَقَرَّ نِسَاءِ الْجِيرَانِ، يُمْنَعُ صَاحِبُ الْمِلْكِ مِنْ فَتْحِ تِلْكَ النَّوَافِذِ. أَمَّا حُكْمُ الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُقَابَلَةُ الضَّرَرِ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ الضِّرَارُ، كَمَا لَوْ أَضَرَّ شَخْصٌ آخَرَ فِي ذَاتِهِ أَوْ مَالِهِ لَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ الْمُتَضَرِّرِ أَنْ يُقَابِلَ ذَلِكَ الشَّخْصَ بِضَرَرٍ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاجِعَ الْحَاكِمَ وَيَطْلُبَ إزَالَةَ ضَرَرِهِ بِالصُّورَةِ الْمَشْرُوعَةِ. كَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ شَخْصٌ " كَرْمًا " لِآخَرَ مَثَلًا فَلَيْسَ لِلْمُتَضَرِّرِ أَنْ يُقَابِلَ الشَّخْصَ الَّذِي أَضَرَّهُ بِإِتْلَافِ كَرْمِهِ، بَلْ عَلَيْهِ، كَمَا ذَكَرْنَا مُرَاجَعَةُ الْمَحْكَمَةِ، وَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ عَلَى مُرَاجَعَتِهَا وَأَتْلَفَ كَرْمَ الْمُتْلِفِ لِكَرْمِهِ فَكَمَا يُحْكَمُ عَلَى الْمُتْلِفِ الْأَوَّلِ يُحْكَمُ عَلَى الْمُتْلِفِ الثَّانِي، وَيَكُونَانِ ضَامِنَيْنِ بِمَا أَتْلَفَا. كَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ شَخْصٌ نُقُودًا مُزَيَّفَةً مِنْ شَخْصٍ آخَرَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا لِغَيْرِهِ.

[ (الْمَادَّةُ ٢٠) الضَّرَرُ يُزَالُ]

(الْمَادَّةُ ٢٠) :

الضَّرَرُ يُزَالُ.

لِأَنَّ الضَّرَرَ هُوَ ظُلْمٌ وَغَدْرٌ وَالْوَاجِبُ عَدَمُ إيقَاعِهِ. وَإِقْرَارُ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ حَرَامٌ وَمَمْنُوعٌ أَيْضًا فَيَجِبُ إزَالَتُهُ، فَتَجْوِيزُ خِيَارِ التَّعْيِينِ، وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَخِيَارِ النَّقْدِ، وَخِيَارِ الْغَبْنِ، وَالتَّغْرِيرِ، وَرَدِّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، وَالْحَجْرِ، وَالشُّفْعَةِ، وَتَضْمِينِ الْمَالِ الْمُتْلَفِ لِلْمُتْلِفِ، وَالْإِجْبَارِ عَلَى قِسْمَةِ الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ، إنَّمَا هُوَ بِقَصْدِ إزَالَةِ الضَّرَرِ، فَخِيَارُ الْعَيْبِ شُرِعَ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي الَّذِي يَأْخُذُ مَالًا مَعِيبًا مَعَ ظَنِّهِ أَنَّهُ مَالٌ سَالِمٌ مِنْ الْعَيْبِ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ جُوِّزَ لِمَنْعِ الضَّرَرِ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ سُوءِ الْجِوَارِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِنَ، كَمَا لَا يَخْفَى تَغْلُو وَتَرْخُصُ بِجِيرَانِهَا، كَذَلِكَ لَوْ أَنَّ شَجَرَةً فِي بُسْتَانِ شَخْصٍ كَبُرَتْ وَتَدَلَّتْ أَغْصَانُهَا عَلَى دَارِ جَارِهِ، وَكَانَ مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ ضَرَرٌ لِلْجَارِ، فَيَجِبُ إزَالَةُ الضَّرَرِ بِقَطْعِ الْأَغْصَانِ أَوْ بِرَبْطِهَا وَسَحْبِهَا لِلدَّاخِلِ. كَذَا لَوْ أَحْدَثَ شَخْصٌ بِنَاءً فِي مِلْكِهِ وَتَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ حُصُولُ الظَّلَّامِ فِي غَرْفَةِ جَارِهِ بِصُورَةٍ لَا تُسْتَطَاعُ مَعَهَا الْقِرَاءَةُ وَالْكِتَابَةُ، وَبِمَا أَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ فَاحِشٌ يُزَالُ تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ (١٢٠١) مِنْ الْمَجَلَّةِ، كَذَلِكَ يُمْنَعُ الْأَشْخَاصُ الَّذِينَ يُزَيِّفُونَ النُّقُودَ عَنْ إجْرَاءِ صِنَاعَتِهِمْ أَيْضًا، وَإِذَا وُجِدَ لِشَخْصٍ نَحْلٌ عَسَلٍ وَالنَّحْلُ يَأْكُلُ أَثْمَارَ جَارِهِ الْمَوْجُودَةَ فِي بُسْتَانِهِ يُحْكَمُ بِإِبْعَادِ النَّحْلِ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ.

[ (الْمَادَّةُ ٢١) الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ]

(الْمَادَّةُ ٢١) :

الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ.

الضَّرُورَةُ هِيَ الْعُذْرُ الَّذِي يَجُوزُ بِسَبَبِهِ إجْرَاءُ الشَّيْءِ الْمَمْنُوعِ. الْمُبَاحُ: وَالْمُبَاحُ شَرْعًا هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَجُوزُ تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمُبَاحِ هُنَا مَا لَيْسَ بِهِ مُؤَاخَذَةٌ، وَأَنَّ إبَاحَةَ الضَّرُورَةِ لِلْمَحْظُورَاتِ تُسَمَّى فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ رُخْصَةً، وَقَدْ اتَّضَحَ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (١٧) وَالرُّخْصَةُ هِيَ الشَّيْءُ الَّذِي يُشْرَعُ ثَابِتًا بِنَاءً عَلَى الْإِعْذَارِ، وَهِيَ الشَّيْءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>