للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَابُ الثَّانِي فِي الْوَدِيعَةِ وَفِيهِ فَصْلَانِ]

ِ مَشْرُوعِيَّةُ الْإِيدَاعِ ثَابِتَةٌ بِأَدِلَّةٍ أَرْبَعَةٍ بِالْكِتَابِ. كَمَا وَرَدَ فِي الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] وَغَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ أَدَاءَ الْأَمَانَاتِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبُولِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ دَالَّةً عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِيدَاعِ.

نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْجَلِيلَةُ بِحَقِّ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ. يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إذْ أَقْفَلَ عُثْمَانُ الْكَعْبَةَ وَصَعِدَ عَلَى سَطْحِهَا فَطَلَبَ الرَّسُولُ الْأَكْرَمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِفْتَاحَ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ عِنْدَ عُثْمَانَ. فَطَلَبَهُ مِنْهُ، فَامْتَنَعَ عُثْمَانُ عَنْ إعْطَائِهِ وَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ لَأَعْطَيْتُكَ، فَضَغَطَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى يَدِ عُثْمَانَ، وَأَخَذَ الْمِفْتَاحَ وَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ الرَّسُولُ الْأَكْرَمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَعْبَةَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ، فَطَلَبَ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ وَأَنْ يَجْمَعَ فِيهِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ السِّقَايَةَ وَالسِّدَانَةَ أَيْ شَرَفَ خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْجَلِيلَةُ عَقِبَ ذَلِكَ. فَأَمَرَ الرَّسُولُ الْأَكْرَمُ عَلِيًّا فَرَدَّ الْمِفْتَاحَ إلَى عُثْمَان، وَقَدَّمَ مَعْذِرَةً بِوَاسِطَتِهِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا عَلِيُّ جِئْتَ قَبْلًا وَأَخَذْتَ الْمِفْتَاحَ مِنِّي بِالْجَبْرِ وَالْإِكْرَاهِ، وَالْآنَ أَتَيْتَ بِالرِّفْقِ وَاللُّطْفِ. فَأَخْبَرَهُ عَلِيٌّ بِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَلَفَظَ عُثْمَانُ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ. وَنَزَلَ جَبْرَائِيلُ مُخَيِّرًا أَنَّ السِّقَايَةَ وَالسِّدَانَةَ لِعُثْمَانَ وَأَوْلَادِهِ أَبَدًا بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ. وَلَمَّا هَاجَرَ عُثْمَانُ أَخِيرًا أَعْطَى الْمِفْتَاحَ لِأَخِيهِ شَيْبَةَ. بِنَاءً عَلَيْهِ فَحَقَّ حِفْظُ الْمِفْتَاحِ وَالسِّدَانَةِ مَنُوطَانِ بِشَيْبَةَ وَأَوْلَادِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (شَيْخُ زَادَهْ) .

ثُمَّ إنَّ قَبُولَ الْوَدِيعَةِ مِنْ بَابِ إعَانَةِ الْإِنْسَانِ إخْوَانَهُ وَالْإِعَانَةُ مَنْدُوبَةٌ بِنَصِّ الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

وَمَوْضُوعُ عِلْمِ الْفِقْهِ هُوَ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِ كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالرَّهْنِ فَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ بِنَاءً عَلَى هَذَا بَعْضَ الْمَبَاحِثِ بِالْعِنْوَانِ الْمَذْكُورِ فَقَالُوا: كِتَابُ النِّكَاحِ وَكِتَابُ الْبُيُوعِ وَذَكَرُوا بَعْضَ الْمَبَاحِثِ الْأُخْرَى تَحْتَ عِنْوَانِ شَيْءٍ مُتَعَلِّقٍ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ فَقَالُوا كِتَابُ الْعَارِيَّةُ وَكِتَابُ الْمَأْذُونِ. وَسَبَبُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَإِنْ كَانَتْ الْمَجَلَّةُ أَيْضًا حَرَّرَتْ هَذَا الْعِنْوَانَ هُنَا هَكَذَا فَالظَّاهِرُ وَالْمُوَافِقُ لِمَوْضُوعِ عِلْمِ الْفِقْهِ أَنْ يُقَالَ (فِي الْإِيدَاعِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>