هُنَاكَ أَيْ فِي الْبَلَدِ الْآخَرِ قِيمَتَهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا أَخَذَ قِيمَتَهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ وَقْتَ الْغَصْبِ عَبْدُ الْحَلِيمِ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ قَدْ حَصَلَ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ وَذَلِكَ بِنَقْلِهِ إيَّاهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَعَلَيْهِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ الضَّرَرَ، وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ أَخْذِ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ خَزَقَ الْغَاصِبُ الثَّوْبَ الْمَغْصُوبَ (حَاشِيَةُ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِقَاسِمِ بْنِ قطلوبغا) .
وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا وَكَانَ مَوْجُودًا عَيْنًا فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْقِيمَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، لَكِنَّ بَيَانَ الْمَجَلَّةِ لَا يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ (الْقُهُسْتَانِيُّ، وَعَبْدُ الْحَلِيمِ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْغَصْبِ)
[ (الْمَادَّةُ ٨٩١) الْغَاصِبُ ضَامِنًا إذَا تَلَفَ الْمَغْصُوب أَوْ ضَاعَ]
(الْمَادَّةُ ٨٩١) - (كَمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْغَاصِبُ ضَامِنًا إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ كَذَلِكَ إذَا تَلَفَ أَوْ ضَاعَ بِتَعَدِّيهِ أَوْ بِدُونِ تَعَدِّيهِ يَكُونُ ضَامِنًا أَيْضًا فَإِنْ كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ قِيمَتُهُ فِي زَمَانِ الْغَصْبِ وَمَكَانِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ يَلْزَمُهُ إعْطَاءُ مِثْلِهِ) . كَمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْغَاصِبُ ضَامِنًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ، فَإِذَا تَلَفَ أَوْ ضَاعَ بِتَعَدِّيهِ أَوْ بِدُونِ تَعَدِّيهِ أَوْ بِتَقْصِيرِهِ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهِ نُقْصَانٌ يَكُونُ ضَامِنًا فِي الْحَال لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ بِمُجَرَّدِ غَصْبِهِ إيَّاهُ بِمَعْنَى أَنَّ عَلَى الْغَاصِبِ أَنْ يَرُدَّهُ عَيْنًا إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَبَدَلًا إذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْغَصْبِ بِسَبَبِ هَلَاكِ الْمَغْصُوبِ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ عِلَّةِ الضَّمَانِ هِيَ مُجَرَّدُ الْغَصْبِ لُزُومُ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْغَصْبِ الْعَيْنِيّ وَلْنُوَضِّحْ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ الْآتِي. لَوْ اعْتَنَى الْغَاصِبُ كُلَّ الِاعْتِنَاءِ بِالْفَرَسِ الْمَغْصُوبِ وَتَلَفَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَيْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ. وَتَلَفُهُ حَتْفَ أَنْفِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ وَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِ لِأَنَّ الْغَصْبَ السَّابِقَ قَدْ كَانَ بِفِعْلِهِ فَيَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ عَلَى عُهْدَتِهِ بِسَبَبِ عَجْزِهِ عَنْ رَدِّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ بِتَلَفِهَا (الْفَيْضِيَّةُ) . إيضَاحُ الْقُيُودِ:
١ - الِاسْتِهْلَاكُ: الِاسْتِهْلَاكُ نَوْعَانِ أَوَّلُهُمَا، اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إتْلَافِ جَمِيعِ مَنْفَعَةِ الْمَغْصُوبِ الطَّحْطَاوِيّ وَهَذَا الِاسْتِهْلَاكُ مَوْضُوعُ بَحْثِ هَذِهِ الْمَادَّةِ كَأَكْلِ الشَّاةِ الْمَغْصُوبَةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا وَطَبْخِهَا أَوْ إحْرَاقِ الثِّيَابِ الْمَغْصُوبَةِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالِ تَفُوتُ جَمِيعُ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الشَّاةِ كَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَاللَّحْمِيَّةِ وَكَذَلِكَ تَفُوتُ جَمِيعُ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ ثِيَابٍ كَالتَّحَفُّظِ مِنْ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ. وَالتَّغَيُّرُ بِحَيْثُ يَتَبَدَّلُ الِاسْمُ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (٨٩٩) مَعْدُودٌ مِنْ قَبِيلِ نَوْعِ هَذَا الِاسْتِهْلَاكِ. فَلَوْ طُحِنَتْ الْحِنْطَةُ الْمَغْصُوبَةُ دَقِيقًا أَوْ خُبِزَ الطَّحِينِ الْمَغْصُوبَ خُبْزًا أَوْ خُلِطَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ (٧٨٨) وَشَرْحِهَا فَيَكُونُ قَدْ اُسْتُهْلِكَ. مَثَلًا لَوْ خَلَطَ الْغَاصِبُ الْحِنْطَةَ الْمَغْصُوبَةَ أَوْ خَلَطَ الشَّعِيرَ الْمَغْصُوبَ بِحِنْطَةٍ فَيَكُونُ قَدْ اسْتَهْلَكَ الْحِنْطَةَ أَوْ الشَّعِيرَ وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْبَدَلِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
كَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ دَنَانِيرَ آخَرَ أَوْ دَرَاهِمَهُ وَخَلَطَهَا بِدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ لَهُ مِنْ جِنْسِهَا وَلَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute