للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ (الْمَادَّةُ ١٢) الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ]

(الْمَادَّةُ ١٢) :

الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ فَالْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ يَكُونُ خِلَافَ الْأَصْلِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا بِالْأَصْلِ الرَّاجِحُ.

الْمَعْنَى: هُوَ الشَّيْءُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْكَلَامِ، وَطُرُقُ أَدَاءِ الْمَقْصُودِ بِالْكَلَامِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: (الْحَقِيقَةُ) (٢) الْمَجَازُ (٣) الْكِنَايَةُ، وَأَمَّا عِنْدَ أَهْلِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَطُرُقُ أَدَاءِ الْمَقْصُودِ قِسْمَانِ: (حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ) وَالْكِنَايَةُ عِنْدَهُمْ تَارَةً تَكُونُ حَقِيقَةً وَأُخْرَى تَكُونُ مَجَازًا، فَمُخَاطَبَةُ الشَّخْصِ بِالْقَوْلِ لَهُ (أَبُو إبْرَاهِيمَ) (كِنَايَةٌ) وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَفْظٌ حَقِيقِيٌّ، وَالْقَوْلُ لِلضَّرِيرِ (أَبُو الْعَيْنَاءِ) كِنَايَةٌ جَاءَتْ عَنْ مَجَازٍ.

الْحَقِيقَةُ: هُوَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَضَعَهُ الْوَاضِعُ أَيْ وَاضِعُ اللُّغَةِ كَقَوْلِكَ (أَسَدٌ) لِلْوَحْشِ الْمَعْرُوفِ وَفَرَسٌ (لِلدَّابَّةِ الْمَعْلُومَةِ) .

الْمَجَازُ: هُوَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ عَلَاقَةٌ وَمُنَاسَبَةٌ، فَكَمَا أَنَّ الْعَلَاقَةَ الَّتِي هِيَ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ ذَلِكَ اللَّفْظُ مَجَازًا هِيَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْمَجَازِ فَالْقَرِينَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْمَجَازِ أَيْضًا.

مَثَلًا: لَوْ قَالَ شَخْصٌ رَأَيْت أَسَدًا فِي الْحَمَّامِ يَغْتَسِلُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا شُجَاعًا فِي الْحَمَّامِ يَغْتَسِلُ لَا أَنَّهُ رَأَى الْأَسَدَ الْحَقِيقِيَّ، وَهُوَ الْوَحْشُ الْمَعْرُوفُ؛ لِأَنَّ الْحَمَّامَ قَرِينَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ وُجُودِ الْأَسَدِ الْحَقِيقِيِّ فِيهِ يَغْتَسِلُ، وَبَيْنَ الْأَسَدِ وَالرَّجُلِ الشُّجَاعِ عَلَاقَةٌ وَمُنَاسَبَةٌ، وَهِيَ الْجُرْأَةُ وَالشَّجَاعَةُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ هُوَ الرَّاجِحُ فَمَتَى أَمْكَنَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ أَصْلٌ وَالْمَجَازِيَّ بَدَلٌ وَالْبَدَلُ لَا يُعَارِضُ الْأَصْلَ.

مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا وَقَفَ شَخْصٌ مَالَهُ قَائِلًا إنِّي وَقَفْتُ مَالِي عَلَى أَوْلَادِي وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ وَأَوْلَادُ أَوْلَادٍ فَيُصْرَفُ قَوْلُهُ عَلَى أَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ، وَلَا تَسْتَفِيدُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ، فَلَوْ انْقَرَضَ أَوْلَادُهُ لِصُلْبِهِ، فَلَا تُصْرَفُ غَلَّةُ الْوَقْفِ عَلَى أَحْفَادِهِ، بَلْ تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ إلَّا إذَا كَانَ يُوجَدُ لِلْوَاقِفِ أَوْلَادٌ حِينَ الْوَقْفِ، بَلْ كَانَ لَهُ أَحْفَادٌ فَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ يُعَدُّ الْمَالُ مَوْقُوفًا عَلَى أَحْفَادِهِ، أَمَّا إذَا وُلِدَ لِلْوَاقِفِ مَوْلُودٌ بَعْدَ إنْشَاءِ الْوَقْفِ فَيَرْجِعُ الْوَقْفُ إلَى وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوِلَادَةِ وَلَفْظُ الْوَلَدِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَلَدِ الصُّلْبِيِّ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَلِأَنَّ لَفْظَةَ الْوَلَدِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَلَدِ الصُّلْبِيِّ فَعِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ أَوْلَادٍ لِلْوَاقِفِ لِصُلْبِهِ مَثَلًا يُصْرَفُ الْوَقْفُ إلَى الْأَحْفَادِ الَّذِينَ تُسْتَعْمَلُ فِيهِمْ كَلِمَةُ (الْأَوْلَادِ) مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ مَعْنَى الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مَعًا.

مَثَلًا: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: لَا تَقْتُلْ الْأَسَدَ، فَلَا يُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ مَعْنَى لَا تَقْتُلْ الْأَسَدَ الْحَقِيقِيَّ وَالشَّخْصَ الشُّجَاعَ مَعًا.

أَمَّا إذَا وَرَدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى شُمُولِ اللَّفْظِ لِمَعْنَيَيْهِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ بَابِ (عُمُومِ الْمَجَازِ) وَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>