للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّفَهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ حَتَّى إذَا عُرِضَتْ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتُ عَلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ مُجْبَرٌ عَلَى إبْطَالِهَا كَمَا أَنَّهُ إذَا تَبَدَّلَ سَفَهُهُ بِالصَّلَاحِ فَالْحَجْرُ عَلَيْهِ يَزُولُ بِنَفْسِهِ وَتُصْبِحُ تَصَرُّفَاتُهُ صَحِيحَةً وَإِذَا عُرِضَتْ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتُ عَلَى الْحَاكِمِ فَعَلَيْهِ تَصْدِيقُهَا وَتَثْبِيتُهَا (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْخَانِيَّةُ) .

مَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ: وَلَمْ يُجَوِّزْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْعَاقِلِ هُوَ اسْتِلَابٌ لِآدَمِيَّتِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْبَهَائِمِ وَهَذَا أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ التَّبْذِيرِ وَأَقْوَى مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ اخْتِيَارُ الْحَجْرِ الْأَعْلَى بَدَلًا مِنْ التَّبْذِيرِ الْأَدْنَى وَيَصِيرُ إثْبَاتُ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: أَنَّ الْإِنْسَانَ يَفْتَرِقُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ بِاللِّسَانِ وَالْبَيَانِ وَعَلَيْهِ فَإِطْلَاقُ اللِّسَانِ وَاعْتِبَارُ الْبَيَانِ نِعْمَةً أَصْلِيَّةً وَأَمَّا الْمَالُ فَهُوَ نِعْمَةٌ زَائِدَةٌ فَتَكُونُ نِعْمَةُ إطْلَاقِ اللِّسَانِ النِّعْمَةَ الْعُلْيَا وَنِعْمَةُ الْمَالِ النِّعْمَةَ الدُّنْيَا (الْهِدَايَةُ، الْكِفَايَةُ) .

وَيُفْهَمُ مِمَّا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ مَذْهَبٌ مُتَوَسِّطٌ وَقَدْ أُسِّسَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْمُشَارِ إلَيْهِ (الْهِدَايَةُ)

. لَوْ حَجَرَ حَاكِمٌ عَلَى سَفِيهٍ وَفَكَّ الْحَجْرَ عَنْهُ حَاكِمٌ آخَرُ وَأَجَازَ تَصَرُّفَاتِهِ كَبَيْعِ الْمَحْجُورِ قَبْلَ الْفَكِّ وَشِرَائِهِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا وَتَكُونُ تَصَرُّفَاتُهُ بَعْدَ الْفَكِّ صَحِيحَةً أَيْضًا (التَّنْوِيرُ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) ؛ لِأَنَّ حَجْرَ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ كَإِفْتَاءٍ مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ حُكْمًا وَقَضَاءً مِنْ وَجْهٍ وَلَا يُقَالُ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ: إنَّ حُكْمَ حَاكِمٍ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ لَا يَنْقُضُهُ حَاكِمٌ آخَرُ.

كَمَا سَيُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٩٦٢) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ مَقْضِيًّا لَهُ وَمَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَا بِمَوْجُودَيْنِ (الْهِدَايَةُ، الْحَمَوِيُّ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) .

وَلَوْ عَرَضَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكُّ الْحَجْرِ لِلْقَاضِي الثَّانِي عَلَى قَاضٍ ثَالِثٍ فَيَلْزَمُهُ التَّصْدِيقُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ أَوْ يُبْطِلَهُ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ الْقَاضِي قَرَارًا لِتَرْجِيحِ أَحَدِ الرَّأْيَيْنِ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ يَكُونُ نَافِذًا بِالْإِجْمَاعِ وَغَيْرَ قَابِلٍ لِلْفَسْخِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .

[ (مَادَّةُ ٩٥٩) يُحْجَرُ الْمَدِينُ أَيْضًا مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ]

(مَادَّةُ ٩٥٩) يُحْجَرُ الْمَدِينُ أَيْضًا مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ كَمَا يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ يُحْجَرُ عَلَى الْمَدِينِ أَيْضًا مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ بَعْدَ أَنْ يَحْكُمَ بِإِفْلَاسِهِ بِطَلَبِ الدَّائِنِينَ وَالْمُرَادُ بِالْغُرَمَاءِ الدَّائِنُونَ لِئَلَّا يَضُرَّهُمْ بِتَصَرُّفِهِ فِي أَمْوَالِهِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمَدِينُ أَمْوَالَهُ بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ بِمَحْضَرِ شُهُودٍ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ فَلَا وَيَجِدُ الْغُرَمَاءُ مَا يَسْتَوْفُونَ بِهِ دُيُونَهُمْ فَالْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ كَمَا أَنَّ فِيهِ نَظَرًا وَفَائِدَةً لَهُ فَالْحَجْرُ عَلَى الْمَدِينِ فِيهِ نَظَرٌ وَفَائِدَةٌ لِلْغُرَمَاءِ أَيْضًا (الْهِدَايَةُ، الْكِفَايَةُ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٢٦) فَعَدَمُ سَدَادِ الدَّيْنِ (بِالْفَتْحِ) أَثْقَلُ الْأَحْمَالِ وَأَضَرُّ فِي الدِّينِ مِنْ خَبَائِثِ الْأَعْمَالِ (الْخَيْرِيَّةُ) .

وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَدِينَ إنَّمَا يُحْجَرُ بِحَجْرِ الْحَاكِمِ.

وَلَمْ يَحْصُلْ فِي هَذَا الِاخْتِلَافُ الْحَاصِلُ فِي السَّفِيهِ إلَّا أَنَّ حَجْرَ الْمَدِينِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَوَّلًا الْحُكْمُ بِإِفْلَاسِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِإِفْلَاسِ ذَلِكَ الْمَدِينِ وَمِنْ ثَمَّ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْحَجْرِ بِنَاءً عَلَى إفْلَاسِهِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا حَجَرَ ابْتِدَاءً أَيْ: قَبْلَ الْحُكْمِ بِإِفْلَاسِهِ فَهَذَا الْحَجْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>