الْحَالُ التَّاسِعُ: تَصَرُّفُ الْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبِ بِوَجْهٍ كَبَيْعِهِ مِنْ آخَرَ وَرَهْنِهِ، وَإِيجَارِهِ وَإِيدَاعِهِ، وَهِبَتِهِ وَإِعَارَتِهِ، وَالتَّصَدُّقِ وَتَسْلِيمِهِ. وَحُكْمُ هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ إجَازَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إنْ وُجِدَتْ شَرَائِطُ الْإِجَازَةِ مِنْ طَرَفِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِلَّا فَعِبَارَةٌ عَنْ اسْتِرْدَادِهِ عَيْنًا. وَإِذَا تَلِفَ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَضْمِينِ بَدَلِهِ. وَسَتُفَصَّلُ أَحْكَامُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٠ ٩١) .
الْحُكْمُ الثَّانِي: حُكْمٌ أُخْرَوِيٌّ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْمَالَ الْمَأْجُورَ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ أَثِمَ وَاسْتَحَقَّ عَذَابَ النَّارِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ حَرَامٌ وَحُرْمَتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْآيَةِ الْجَلِيلَةِ وَالْحَدِيثِ الشَّرِيفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩] «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» ، (الْهِدَايَةُ وَالْعَيْنِيُّ، وَالْقُهُسْتَانِيُّ) وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ» .
الْحَدِيثَ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَاقِفًا عَلَى كَوْنِ الْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ مَالَ الْغَيْرِ فَلَا يَأْثَمُ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ ظَانًّا أَنَّهُ مَالٌ أَوَاشْتَرَاهُ مِنْ الْفُضُولِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] وَلِقَوْلِهِ، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» وَالْمُرَادُ الْمَأْثَمُ (الْكِفَايَةُ، وَالْهِدَايَةُ وَالدُّرُّ الْمُنْتَقَى) .
رُكْنُ الْغَصْبِ: هُوَ عِنْدَ الْإِمَامِ إزَالَةُ يَدٍ مُحَقَّةٍ مَعَ إثْبَاتِ يَدٍ مُبْطَلَةٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إزَالَةُ يَدٍ مُحَقَّةٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إثْبَاتُ يَدٍ مُبْطَلَةٍ وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلَاتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١ ٨٨) .
شَرْطُ الْغَصْبِ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَمُحْتَرَمًا وَمَنْقُولًا اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (١ ٨٨) (أَبُو السُّعُودِ حَاشِيَةُ الْكَنْزِ) .
مَحَاسِنُ الْغَصْبِ: إنَّ مَحَاسِنَ الْغَصْبِ لَيْسَتْ كَمَا ذَكَرْنَا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١ ٨٨) مِنْ حَيْثُ الْإِقْدَامُ، عَلَيْهِ بَلْ مِنْ حَيْثُ تَرْتِيبِ الْأَحْكَامِ.
[ (الْمَادَّةُ ٨٩٠) رَدُّ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ عَيْنًا وَتَسْلِيمُهُ إلَى صَاحِبِهِ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ]
(الْمَادَّةُ ٨٩٠) يَلْزَمُ رَدُّ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ عَيْنًا وَتَسْلِيمُهُ إلَى صَاحِبِهِ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا وَإِنْ صَادَفَ صَاحِبُ الْمَالِ الْغَاصِبَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَكَانَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ مَعَهُ فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُهُ اسْتَرَدَّهُ هُنَاكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَبَ رَدَّهُ إلَى مَكَانِ الْغَصْبِ وَتَكُونُ مَصَارِيفُ نَقْلِهِ وَمُؤْنَةُ رَدِّهِ عَلَى الْغَاصِبِ.
الْمَالُ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودٌ عَيْنًا فِي مَكَانِ الْغَصْبِ بِدُونِ أَنْ يَتَغَيَّرَ تَغَيُّرًا فَاحِشًا فَيَلْزَمُ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ فِي الْحَالِ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ لِلْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ.
إيضَاحُ الْقُيُودِ: (١) الْمَالُ الْمَغْصُوبُ، هَذَا سَوَاءٌ أَكَانَ مِثْلِيًّا أَمْ قِيَمِيًّا وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَنْقُولًا أَمْ عَقَارًا أَمْ كَانَ الْغَاصِبُ عَالِمًا بِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ أَمْ غَيْرَ عَالِمٍ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي لُزُومِ رَدِّهِ وَإِعَادَتِهِ.