الْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ مِنْ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ:
أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَعْتُوهِ فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ كَقَبُولِ الْمَعْتُوهِ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْهَدِيَّةَ مُعْتَبَرٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (٩٦٧) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ إذْنٌ وَإِجَازَةٌ مِنْ وَلِيِّهِ. أَمَّا تَصَرُّفُهُ الَّذِي فِيهِ ضَرَرٌ دُنْيَوِيٌّ مَحْضٌ كَأَنْ يَهَبَ شَيْئًا لِآخَرَ أَوْ يُهْدِيَهُ إيَّاهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ فَبَاطِلٌ وَلَوْ أَجَازَهُ وَلِيُّهُ، وَالْعُقُودُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ تَنْعَقِدُ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ إجَازَةِ الْمَعْتُوهِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِيَّةِ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ لَهَا وَإِلَّا فَتَصَرُّفَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَإِجَازَتُهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ وَالشَّخْصُ الَّذِي يَبْلُغُ مَعْتُوهًا وَيَعْرِفُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ فَوِلَايَةُ أَبِيهِ ثَابِتَةٌ وَإِعْطَاؤُهُ إذْنًا مِنْ أَبِيهِ وَوَلِيِّهِ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ. أَمَّا مَنْ يَبْلُغُ عَاقِلًا وَيُصَابُ بِالْعَتَهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِأَنَّ حَقَّ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ لَا يَعُودُ إلَى وَلِيِّهِ كَأَبِيهِ. وَبِمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ عَائِدَةٌ إلَى الْحَاكِمِ فَإِعْطَاؤُهُ الْإِذْنَ فِي الْحَاكِمِ وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْآخَرِ كَأَبِيهِ أَنْ يُعْطِيَهُ إذْنًا، وَالْقِيَاسُ هُوَ هَذَا، أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَيَعُودُ حَقُّ الْوِلَايَةِ إلَى وَلِيِّهِ، وَعَلَيْهِ فَلِلْأَوْلِيَاءِ الْآخَرِينَ - كَالْأَبِ - أَنْ يُعْطُوهُ إذْنًا، وَالْمُسْتَحْسَنُ هُوَ هَذَا (أَبُو السُّعُودِ الْكِفَايَةُ قَبْلَ الْغَصْبِ) . وَبِمَا أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ لَفْظَ الْمَعْتُوهِ هُنَا مُطْلَقًا فَقَدْ اُخْتِيرَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ جِهَةَ الِاسْتِحْسَانِ مُرَجَّحَةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى جِهَةِ الْقِيَاسِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمَجْنُونِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا، فَحَقُّ الْوِلَايَةِ عَلَى مَنْ يَبْلُغُ مَجْنُونًا وَإِنْ كَانَ عَائِدًا إلَى وَلِيِّهِ كَالْأَبِ، فَإِذَا جُنَّ بَعْدَ أَنْ صَارَ عَاقِلًا بَالِغًا يَعُودُ حَقُّ الْوِلَايَةِ إلَى الْحَاكِمِ وَلَيْسَ إلَى الْأَبِ. أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَعُودُ إلَى وَلِيِّهِ كَالْأَبِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) . أَمَّا إعْطَاءُ الْإِذْنِ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْمَعْتُوهِ غَيْرِ الْأَوْلِيَاءِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ أَوْ غَيْرِهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ وَالْإِذْنُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالدُّرَرُ) .
[ (مَادَّةُ ٩٧٩) الْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ هُوَ فِي حُكْمِ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ]
وَعَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ تَصَرُّفَاتُهُ الْقَوْلِيَّةُ صَحِيحَةً أَصْلًا. سَوَاءٌ أَكَانَتْ نَافِعَةً كَالِاتِّهَابِ أَمْ كَانَتْ ضَارَّةً كَالْهِبَةِ لِآخَرَ أَوْ كَانَتْ دَائِرَةً بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ (الْهِدَايَةُ) ؛ وَعَلَيْهِ فَالْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَادَّةِ (٩٦٦) تَجْرِي عَلَى الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ أَيْضًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . مَثَلًا لَوْ بَاعَ الْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ مَالًا كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا، فَلَوْ أَجَازَ وَلِيُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْبَيْعَ أَوْ أَجَازَهُ هُوَ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ لَا يَجُوزُ، كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالًا مِنْ مَجْنُونٍ مُطْبِقٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَهَذَا اتَّهَبَهُ وَقَبِلَهُ وَاسْتَلَمَهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ صَحِيحًا أَمَّا تَصَرُّفَاتُ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ فِي حَالٍ إفَاقَتِهِ فَكَتَصَرُّفَاتِ الْعَاقِلِ، يَعْنِي أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالِاتِّهَابِ بَعْدَ أَنْ يُفِيقَ مِنْ جُنُونِهِ تَمَامًا صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ أَكَانَتْ التَّصَرُّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ نَافِعَةً أَمْ ضَارَّةً أَمْ دَائِرَةً بَيْنَهُمَا، إلَّا أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي (رَدِّ الْمُحْتَارِ) أَنَّ الْمَجْنُونَ الَّذِي يَبْقَى نَاقِصَ الْعَقْلِ وَمَعْتُوهًا فِي حَالِ إفَاقَتِهِ يَكُونُ فِي حُكْمِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute