إذَا ادَّعَى التَّصَرُّفَ فِي الْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةِ أَوْ فِي الْمُسْتَغَلَّاتِ الْوَقْفِيَّةِ فَهَلْ يَجِبُ إثْبَاتُ وَضَاعَةِ الْيَدِ فِي ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ؟ كَمَا أَنَّ الدَّعْوَى فِي ذَلِكَ لَا تَتَعَلَّقُ بِمِلْكِيَّةِ الْعَقَارِ بَلْ تَتَعَلَّقُ بِتَصَرُّفِهِ أَيْ بِتَمَلُّكِ مَنَافِعِهِ فَيَرِدُ لِلْخَاطِرِ بِأَنَّهُ لَا لُزُومَ لِإِثْبَاتِ وَضَاعَةِ الْيَدِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُقْتَضَى الْعَمَلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى نَقْلِهَا.
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حَقِّ تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ]
ِ قَدْ أَلَّفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ كَغَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ وَالْقَصَّارِيِّ كُتُبًا وَرِسَالَاتٍ فِي حن صُوَرِ التَّرْجِيحِ فِي الْبَيِّنَاتِ الَّتِي تَكُونُ مُبَايِنَةً لِبَعْضِهَا الْبَعْضِ كَمَا أَنَّ مُفْتِيَ الشَّامِ الْمَرْحُومَ مَحْمُودَ حَمْزَةَ أَفَنَدِي قَدْ أَلَّفَ كِتَابًا مُخْتَصَرًا وَمُفِيدًا بِتَرْتِيبٍ بَدِيعٍ فِي حَقِّ تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ. وَفِي الْبَيِّنَاتِ الْمُتَبَايِنَةِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ إذَا لَمْ تَكُنْ إحْدَاهَا تَوَاتُرًا: الْحَالُ الْأَوَّلُ: أَنْ تَتَهَاتَرَ الْبَيِّنَتَانِ إلَى أَنْ تَسْقُطَا عَنْ الْعَمَلِ وَيَتَفَرَّعُ عَنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ. وَهِيَ:
- أَوَّلًا - إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ عَمْرًا بِالْكُوفَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ عَمْرًا يَوْمَ النَّحْرِ فِي مَكَّةَ فَلَا يُعْمَلُ بِأَيِّ هَاتَيْنِ الشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ يَقِينًا بَيْنَ إحْدَاهُمَا كَذِبٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ أَيَّتُهُمَا الْكَاذِبَةُ كَمَا أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَا فِي زَمَانِ وَآلَةِ الْقَتْلِ فَالْحُكْمُ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ.
ثَانِيًا - إذَا ادَّعَى اثْنَانِ زَوَاجَ امْرَأَةٍ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ، وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ دَعْوَى الِاثْنَيْنِ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلِاشْتِرَاكِ وَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِتَفْرِيقِهَا مِنْهُمَا (أَبُو السُّعُودِ وَشَرْحُ الْكَنْزِ وَالطَّرِيقَةُ الْوَاضِحَةُ) .
ثَالِثًا - إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَالْخَارِجُ الْآخَرُ الشِّرَاءَ مِنْ بَعْضِهِمَا يَعْنِي لَوْ ادَّعَى الْخَارِجُ الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ وَادَّعَى ذُو الْيَدِ الشِّرَاءَ مِنْ الْخَارِجِ بِدُونِ بَيَانِ تَارِيخٍ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ (الطَّرِيقَةُ الْوَاضِحَةُ) .
رَابِعًا - إذَا ادَّعَى أَحَدٌ مِيرَاثًا مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ ابْنَ عَمِّهِ، وَذَكَرَ الْأَسَامِيَ لِلْجَدِّ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّسَبِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرُ النَّسَبَ وَالْمِيرَاثَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ جَدَّ الْمُتَوَفَّى هُوَ فُلَانٌ غَيْرُ الْجَدِّ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي فَإِذَا لَمْ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ الْأُولَى قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَحْكُمُ بِإِحْدَى هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ (الْهِنْدِيَّةُ) .
خَامِسًا - إذَا ادَّعَى أَحَدٌ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ آخَرَ قَائِلًا: إنَّهُ مِلْكِي حَتَّى أَنَّ ذَا الْيَدِ قَدْ أَقَرَّ بِذَلِكَ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ مِلْكُهُ، وَأَنَّ الْمُدَّعِي قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَيْضًا عَلَى الْإِقْرَارِ فَتَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ، وَيَبْقَى الْمَالُ بِلَا مُعَارِضٍ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute