للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْكِتَابُ الثَّانِي الْإِجَارَةُ وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدَّمَةٍ وَثَمَانِيَة أَبْوَاب]

الْكِتَابُ الثَّانِي الْإِجَارَةُ.

وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدَّمَةٍ وَثَمَانِيَة أَبْوَاب بَعْدَ أَنْ فَرَغَتْ الْمَجَلَّةُ مِنْ بَيَانِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ تَمْلِيكُ الْأَعْيَانِ بِعِوَضٍ شَرَعَتْ فِي بَيَانِ الْإِجَارَةِ الَّتِي هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ وَإِنَّمَا قَدَّمَتْ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَنَافِعِ قَدْرًا وَكَوْنًا.

وَالتَّمْلِيكُ نَوْعَانِ: تَمْلِيكُ الْعَيْنِ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ.

وَكِلَاهُمَا نَوْعَانِ: تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ وَتَمْلِيكٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ.

فَالْأَوَّلُ: هُوَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِعِوَضِ بَيْعٍ.

وَالثَّانِي: هُوَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِلَا عِوَضٍ: هِبَةً، أَوْ صَدَقَةً، أَوْ وَصِيَّةً.

وَالثَّالِثُ: هُوَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بَعُوضِ إجَارَةٍ.

وَالرَّابِعُ: هُوَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِلَا عِوَضِ إعَارَةٍ.

وَالْحِكْمَةُ فِي الْإِجَارَةِ هُوَ دَفْعُ الِاحْتِيَاجِ الْعَظِيمِ بِعِوَضٍ قَلِيلٍ كَانْتِفَاعِ الْفَقِيرِ بِالِاسْتِحْمَامِ فَإِنَّ الْفَقِيرَ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ بِصَرْفِ نُقُودٍ قَلِيلَةٍ مَنْفَعَةَ الْغَنِيِّ الَّذِي يُنْفِقُ لِلْحُصُولِ عَلَيْهَا نُقُودًا كَثِيرَةً.

وَالْإِجَارَةُ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَلَكِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ عَدَمُ جَوَازِ الْإِجَارَةِ وَلَكِنْ أُجِيزَتْ لِلْحَاجَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجٌ إلَى مَنَافِعَ أَعْيَانٍ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ابْتِيَاعِهَا إذْ لَيْسَ كُلُّ إنْسَانٍ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّارَ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَى سُكْنَاهَا، وَالْحَمَّامَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى الِاغْتِسَالِ فِيهِ، وَالدَّابَّةَ الَّتِي تَحْمِلُ ثِقَلَهُ وَمَتَاعَهُ لَكِنْ يَسْهُلُ إلَيْهِ اسْتِئْجَارُ ذَلِكَ وَتَحْصِيلُ مَنْفَعَتِهِ مِنْهُ.

وَجَوَازُ الْإِجَارَةِ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا عِمْرَانُ الْبِلَادِ وَرَفَاهِيَةُ الْعِبَادِ وَإِنَّكَ لَتَجِدُ شَرِكَةً تُنْفِقُ أُلُوفَ الْأُلُوفِ مِنْ الْجُنَيْهَاتِ فِي إنْشَاءِ السِّكَكِ الْحَدِيدِيَّةِ وَالسُّفُنِ فَتُسَهِّلُ بِذَلِكَ لِلنَّاسِ التَّنَقُّلَ بَيْنَ الْبِلَادِ وَنَقْلَ أَمْوَالِهِمْ وَأَثْقَالِهِمْ بِأُجْرَةٍ تَأْخُذُهَا.

وَإِنَّ الْمُؤَجِّرَ لَمُحْتَاجٌ إلَى الْإِجَارَةِ فَهُوَ يُؤَجِّرُ أَعْيَانَهُ، وَيَنْتَفِعُ بِأُجْرَتِهَا، وَيَسْتَبْقِيهَا وَالْأَجِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ كِلَاهُمَا مُحْتَاجٌ إلَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ مُحْتَاجٌ لِلْمَالِ، وَالْغَنِيَّ مُحْتَاجٌ لِلْأَعْمَالِ وَبِذَلِكَ تَثْبُتُ الْحَاجَةُ إلَى الْإِجَارَةِ الَّتِي هِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَنَافِعِ الْعَمَلِ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ لَكَانَ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ ضِيقٌ وَحَرَجٌ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١٨) وَقَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] عَلَى لِسَانِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ مَا يَنْسَخُهُ وَلَا سِيَّمَا إذَا ذُكِرَ الشَّرْعُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَقَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَيْضًا {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٤] وقَوْله تَعَالَى {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: ٧٧] فَهَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ مَشْرُوعَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>