يَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً - عِنْدَ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَلَا يَكُونُ أَيْضًا لُقَطَةً لِلْعِلْمِ بِصَاحِبِهِ بَلْ يَكُونُ أَمَانَةً فَقَطْ وَلَفْظُ (كَمَا لَوْ. ..) هَذَا مِثَالٌ لِفِقْرَةِ (بِدُونِ قَصْدٍ وَعَقْدٍ. ..)
وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ السَّالِفَةِ بَيْنَ الْأَمَانَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَاتِ السَّائِرَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ.
وَالْحَمْلُ فِي قَوْلِهِمْ (الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَالْمُسْتَعَارُ أَمَانَةٌ وَالْمَأْجُورُ أَمَانَةٌ) مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَالْحَمْلِ فِي قَوْلِهِمْ (كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ) وَهُوَ حَمْلٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا عَكْسُهُ أَيْ حَمْلُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ كَالْقَوْلِ كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانٌ لَا يَجُوزُ. مَادَّةُ الِاجْتِمَاعِ وَمَادَّةُ الِافْتِرَاقِ - يَجْتَمِعُ خُصُوصُ كَوْنِ الشَّيْءِ أَمَانَةً وَدِيعَةً فِي الْمَالِ الَّذِي أُعْطِيَ ضِمْنَ عَقْدِ الِاسْتِحْفَاظِ أَيْ فِي الْوَدِيعَةِ. يَعْنِي أَنَّ الْمَالَ الَّذِي أُعْطِيَ لِأَجْلِ عَقْدِ الِاسْتِحْفَاظِ يَكُونُ أَمَانَةً وَدِيعَةً مَعًا. وَأَمَّا إذَا وَقَعَ مَالُ شَخْصٍ عَلَى بَيْتِ جَارِهِ بِسَبَبِ هُبُوبِ الرِّيحِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَلَيْسَ وَدِيعَةً. فَتَفْتَرِقُ الْأَمَانَةُ عَنْ الْوَدِيعَةِ فِي هَذَا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
بَيْنَ الْأَمَانَةِ الْوَدِيعَةِ فَرْقَانِ مُخْتَلِفَانِ:
الْأَوَّلُ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا وُجُودُ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ مُطْلَقٍ بَيْنَهُمَا.
الثَّانِي - اخْتِلَافُ الْأَمَانَةِ عَنْ الْوَدِيعَةِ حُكْمًا أَيْضًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. مَثَلًا بَيْنَمَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ فِي الْوَدِيعَةِ وَمِثْلُهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالْإِيجَارِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضَعُ وَالشَّرِيكُ عِنَانًا أَوْ مُفَاوَضَةً وَمُسْتَعِيرُ الرَّهْنِ بَعْدَ مُخَالِفَتِهِ وَعَوْدَتِهِ إلَى الْوِفَاقِ فَلَا يَبْرَأُ الْأَمِينُ بَعْدَ الْمُخَالِفَةِ وَالْعَوْدَةِ إلَى الْوِفَاقِ فِي سَائِرِ الْأَمَانَاتِ، يَعْنِي حَتَّى وَلَوْ أَزَالَ الْأَمِينُ تَعَدِّيهِ بِقَصْدِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَرَّةً أُخْرَى لَا يَزُولُ حُكْمُ الضَّمَانِ وَلَا تَنْقَلِبُ يَدُ الْغَصْبِ أَيْ يَدُ الضَّمَانِ إلَى يَدِ الْأَمَانَةِ بِمُجَرَّدِ إزَالَةِ التَّعَدِّي بِنِيَّةِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ أَنْ يَكُونَ تَعَدَّى عَلَى الْأَمَانَةِ بَلْ تَبْقَى فِي ضَمَانِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهَا سَالِمَةً. وَسَيَأْتِي إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٨٧) (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَيُفْهَمُ مِنْ مُطَالَعَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَمْ يَبْحَثْ فِيهِ فِي عُمُومِ الْأَمَانَةِ الْمَذْكُورَةِ بِصُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ بَلْ أَنَّهُ بَحَثَ فِي بَعْضِ الْأَمَانَاتِ كَاللُّقَطَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَلَكِنَّهُ جَرَى الْبَحْثُ فِي الْمَادَّةِ (٣٧٠) عَلَى أَمَانَةِ الْمَبِيعِ بَاطِلًا وَفِي الْمَادَّةِ (٦٠٠) عَلَى أَمَانَةِ الْمَأْجُورِ وَفِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٤١) عَلَى أَمَانَةِ الْمَرْهُونِ وَفِي الْمَادَّةِ (١٣٥٠) عَلَى أَمَانَةِ مَالِ الشَّرِكَةِ وَفِي الْمَادَّةِ (١٤١٣) عَلَى أَمَانَةِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَفِي الْمَادَّةِ (١٤٦١) عَلَى أَمَانَةِ الْمَالِ الْمَقْبُوضِ مِنْ قِبَلِ الْوَكِيلِ بِسَبَبِ الْوَكَالَةِ.
[ (الْمَادَّةُ ٧٦٣) الْوَدِيعَةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي يُودَعُ عِنْدَ شَخْصٍ لِأَجْلِ الْحِفْظ]
الْوَدِيعَةُ لُغَةً مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْعِ الَّذِي هُوَ عَلَى وَزْنِ رَدْعِ وَمَعْنَى الْوَدْعُ التَّرْكُ مُطْلَقًا. وَإِنْ كَانَ وَزْنُ فَعِيلٍ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ كَرَحِيمٍ وَبِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَقَتِيلٍ فَيُسْتَفَادُ مِنْ تَعْرِيفِهِ الشَّرْعِيِّ الْآتِي أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ.
إذَنْ فَاسْتِعْمَالُ وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ يَكُونُ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ سَوَاءٌ حِينَمَا يَتَقَدَّمُ مَوْصُوفُهُ عَلَيْهِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ وَحَيْثُ إنَّ تَعْبِيرَيْ رَجُلٌ قَتِيلٌ وَامْرَأَةٌ قَتِيلٌ صَحِيحٌ فَالتَّاءُ الَّتِي فِي آخِرِ كَلِمَةِ وَدِيعَةٍ لَيْسَتْ عَلَامَةً