أَنَّ الْمَنْفَعَةَ إذَا كَانَتْ فَائِدَتُهَا أَزْيَدَ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَفْسَدَةِ مِنْ الْأَضْرَارِ فَتُقَدَّمُ الْمَنْفَعَةُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْمَفْسَدَةِ الْقَلِيلَةِ مِثَالٌ: إنَّ التَّكَلُّمَ بِالْكَذِبِ مَفْسَدَةٌ، وَلَكِنْ إذَا أُرِيدَ بِهِ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ يَجُوزُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. كَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ مُتَغَلِّبٌ ظَالِمٌ أَخْذَ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ غَصْبًا عَنْهُ فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَكْذِبَ وَيُنْكِرَ وُجُودَ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ مُحَافَظَةً عَلَيْهَا
[ (الْمَادَّةُ ٣١) الضَّرَرُ يُدْفَعُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ]
(الْمَادَّةُ ٣١) :
الضَّرَرُ يُدْفَعُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
يَعْنِي لَوْ دَخَلَ عَلَيْكَ سَارِقٌ مَثَلًا فَادْفَعْهُ عَنْكَ بِقَدْرِ إمْكَانِكَ، فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ يَنْدَفِعُ بِالْعَصَا، فَلَا تَدْفَعْهُ بِالسَّيْفِ، كَذَا إذَا اغْتَصَبَ شَخْصٌ مَالَ آخَرَ وَاسْتَهْلَكَهُ فَلِأَنَّ إرْجَاعَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ الْمُسْتَهْلَكِ بِعَيْنِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَالِ إذَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَتْ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ. كَذَلِكَ إذَا حَصَلَ عَيْبٌ حَادِثٌ فِي الْمَبِيعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ لَهُ قَدِيمٌ فَلِأَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ مَانِعٌ لِلْمُشْتَرِي مِنْ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَيُزَالُ الضَّرَرُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ.
[ (الْمَادَّةُ ٣٢) الْحَاجَةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ عَامَّةً أَوْخَاصَّةً]
(الْمَادَّةُ ٣٢) :
الْحَاجَةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ عَامَّةً أَوْ خَاصَّةً، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ تَجْوِيزُ الْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَتْ الدُّيُونُ عَلَى أَهْلِ بُخَارَى مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ وَصَارَ مَرْعِيًّا. هَذِهِ الْمَادَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ. وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ كَانَ مَمْنُوعًا، وَقَدْ جُوِّزَ بِنَاءً عَلَى الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِفَادَةَ الْمُقْرِضِ زِيَادَةً عَنْ بَدَلِ الْقَرْضِ رِبًا وَمَمْنُوعٌ شَرْعًا، وَبَيْعُ الْوَفَاءِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ غَيْرُ جَائِزٍ أَصْلًا، وَلَكِنْ حَسْبَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَدْ اجْتَهَدَتْ الْفُقَهَاءُ بِنَاءً عَلَى احْتِيَاجِ أَهَالِي بُخَارَى فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ تَجْوِيزَهُ. إنَّ تَجْوِيزَ بَيْعِ السَّلَمِ وَبَيْعِ الِاسْتِصْنَاعِ مُسْتَنِدٌ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ السَّلَمِ هُوَ بَيْعُ مَعْدُومٍ وَقِيَاسًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا بَاطِلًا، وَلَكِنْ قَدْ جُوِّزَ بَيْعُ السَّلَمِ وَبَيْعُ الِاسْتِصْنَاعِ لِلِاحْتِيَاجِ وَالضَّرُورَةِ الْعُمُومِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ أَكْثَرَ الْفَلَّاحِينَ فِي غَالِبِ السِّنِينَ يُصْبِحُونَ بِاحْتِيَاجٍ شَدِيدٍ لِلنُّقُودِ قَبْلَ إدْرَاكِ مَحْصُولِهِمْ، فَدَفْعًا لِاحْتِيَاجِهِمْ هَذَا قَدْ جُوِّزَ بَيْعُ السَّلَمِ وَكَذَلِكَ جُوِّزَتْ أَيْضًا إجَارَةُ الِاغْتِسَالِ فِي الْحَمَّامِ مَعَ أَنَّهَا قِيَاسًا غَيْرُ جَائِزَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهَا مَجْهُولَةٌ وَغَيْرُ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَقْضِيهَا الْمُغْتَسِلُ فِي الْحَمَّامِ وَمِقْدَارِ الْمَاءِ الَّذِي يَصْرِفُهُ إلَّا أَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ الْعُمُومِيَّةِ قَدْ جُوِّزَتْ، وَكَذَلِكَ وُجُودُ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالْمَبِيعِ يَجْعَلُ الْمَبِيعَ مَجْهُولًا، وَلَكِنْ قَدْ جُوِّزَ هَذَا الْمَبِيعُ بِنَاءً عَلَى الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا بِدُونِ سُؤَالِ وَاسْتِشَارَةِ الْعَارِفِينَ
[ (الْمَادَّةُ ٣٣) الِاضْطِرَارُ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْغَيْرِ]
(الْمَادَّةُ ٣٣) :
الِاضْطِرَارُ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْغَيْرِ.
مَعْنَى الِاضْطِرَارِ هُنَا الْإِجْبَارُ عَلَى فِعْلِ الْمَمْنُوعِ، وَالِاضْطِرَارُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَنْشَأُ عَنْ سَبَبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute