للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَارَ الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْ الْمَنْفَعَةِ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدٍ آخَرَ وَمَا مُلِكَ بِعَقْدَيْنِ فَتَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ فِي أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْآخَرِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الْفَسْخِ فِيمَا بَقِيَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ كَالْأَعْيَانِ فَإِذَا فَاتَ بَعْضُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُجْبَرُ فِيمَا بَقِيَ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ. كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ (الْكِفَايَةُ) .

قَدْ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٢٩٣) إنَّهُ إذَا بِيعَتْ أَمْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَتَلِفَ أَحَدُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُشْتَرِي يَكُونُ مُخَيَّرًا بِقَبُولِهِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ. فَعَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ هُنَا مُخَيَّرًا أَيْضًا؟ جَوَابٌ:

بِمَا أَنَّ الْمَنَافِعَ حَادِثَةٌ فَتَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا أَيْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الِانْعِقَادُ وَصَفَقَاتُ الْبَيْعِ مُتَعَدِّدَةٌ أَصْلًا فَالْإِجَارَةُ الْمُنْعَقِدَةُ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي مَرَّتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ هِيَ غَيْرُ الْإِجَارَةِ الَّتِي تَنْعَقِدُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَإِنَّ عَقْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ عَقْدِ الْأُخْرَى.

لِذَلِكَ فَعَدَمُ تَسْلِيمِ مَنَافِعِ الْمُدَّةِ الَّتِي مَرَّتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا تُؤَثِّرُ عَلَى الْمَنَافِعِ الَّتِي تَحْصُلُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ (الْكِفَايَةُ) .

إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ مُدَّةٌ مِنْ الْإِجَارَةِ فِي زَمَانٍ يُرْغَبُ فِيهِ فِي الْمَأْجُورِ رَغْبَةً زَائِدَةً وَيَمْضِي ذَلِكَ الزَّمَنُ فَيَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ مُخَيَّرًا إذَا شَاءَ قَبِلَ الْمَأْجُورُ فِي الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ وَإِذَا شَاءَ تَرَكَهُ.

مَثَلًا: لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ دَارًا مِنْ آخَرَ مُدَّةَ شَهْرَيْنِ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ فِي مَكَّةَ وَمِنًى وَسُلِّمَتْ الدَّارُ إلَيْهِ بَعْدَ مُرُورِ مُدَّةِ الْحَجِّ فَالْمُسْتَأْجِرُ مُخَيَّرٌ بَعْدَ الْمَوْسِمِ لِأَنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِيهَا بَعْدَ الْمَوْسِمِ. فَلَوْ لَمْ يُسَلَّمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَرْغَبُ لِأَجْلِهِ خُيِّرَ فِي قَبْضِ الْبَاقِي كَمَا فِي الْبَيْعِ أَيْ إذَا اشْتَرَى نَحْوَ بُيُوتِ مَكَّةَ قَبْلَ زَمَنِ الْمَوْسِمِ فَلَمْ يَقَعْ التَّسْلِيمُ إلَّا بَعْدَ فَوَاتِهِ، كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِفَوَاتِ الرَّغْبَةِ (التَّنْوِيرُ، الدُّرُّ الْمُخْتَارُ، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .

وَيَجْرِي حُكْمُ هَذِهِ الْمَادَّةِ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ أَيْضًا.

وَذَلِكَ كَمَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ الْأَجِيرُ حَاضِرًا لِلْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (٤٢٥) فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ.

[ (الْمَادَّةُ ٤٧٨) فَاتَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَأْجُورِ بِالْكُلِّيَّةِ]

(الْمَادَّةُ ٤٧٨) لَوْ فَاتَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَأْجُورِ بِالْكُلِّيَّةِ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ مَثَلًا لَوْ احْتَاجَ الْحَمَّامُ إلَى التَّعْمِيرِ وَتَعَطَّلَ فِي أَثْنَاءِ تَعْمِيرِهِ تَسْقُطُ حِصَّةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ الْأُجْرَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَى وَتَعَطَّلَتْ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ اعْتِبَارًا مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ الْمَاءِ وَلَكِنْ لَوْ انْتَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِغَيْرِ صُورَةِ الطَّحْنِ مِنْ بَيْتِ الرَّحَى يَلْزَمُهُ إعْطَاءُ مَا أَصَابَ حِصَّةَ ذَلِكَ الِانْتِفَاعِ مِنْ بَدَلِ الْإِجَارَةِ. أَيْ لَوْ أَصْبَحَ فِي حَالَةٍ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَلْبَتَّةَ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَأْجُورُ عَقَارًا أَوَعَيْنًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ حَيَوَانًا.

أَمَّا أُجْرَةُ الْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ أَدَاؤُهَا. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي فَسَادِهِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ بِحُكْمِ الْحَالِ وَالْقَوْلُ فِي الْمَاضِي قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْحَالَ، وَإِنْ كَانَ سَالِمًا فِي الْحَالِ وَاتَّفَقَا عَلَى فَسَادِهِ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ وَاخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ بَعْضَ الْأُجْرَةِ (الْهِنْدِيَّةُ قُبَيْلَ الْبَابِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>