(مُسْتَثْنَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مُسْتَثْنًى وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَخْصٌ حَيَوَانًا مِنْ آخَرَ فَطَلَبَهُ جَارُهُ بِالشُّفْعَةِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَجْرِي فِي الْمَنْقُولِ كَمَا فِي غَيْرِهِ، وَسَلَّمَ الْحَيَوَانَ لِلشَّفِيعِ بِرِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ، فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا اطَّلَعَ عَلَى خَطَئِهِ اسْتِرْدَادُ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ يَكُونُ قَدْ عَقَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ عَقْدَ تَعَاطٍ.
[ (الْمَادَّةُ ٧٣) لَا حُجَّةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ النَّاشِئِ عَنْ دَلِيلِ]
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ قَدْ وَرَدَتْ فِي الْمَجَامِعِ وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ كُلَّ حُجَّةٍ عَارَضَهَا احْتِمَالٌ مُسْتَنِدٌ إلَى دَلِيلٍ يَجْعَلُهَا غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ، وَلَكِنَّ الِاحْتِمَالَ غَيْرَ الْمُسْتَنِدِ إلَى دَلِيلٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ أَقَرَّ أَحَدٌ لِأَحَدِ وَرَثَتِهِ بِدَيْنٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِ الْمَرِيضِ قَصَدَ بِهَذَا الْإِقْرَارِ حِرْمَانَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلِ كَوْنِهِ فِي الْمَرَضِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ جَازَ، وَاحْتِمَالُ إرَادَةِ حِرْمَانِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ حِينَئِذٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ احْتِمَالٌ مُجَرَّدٌ وَنَوْعٌ مِنْ التَّوَهُّمِ لَا يَمْنَعُ حُجَّةَ الْإِقْرَارِ. وَلَكِنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ فِي إمْكَانِ الْمَرِيضِ إيصَالُ الْمَنْفَعَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لَا يُوجَدُ فِيهِ مَا يُوجَدُ لِلْوَارِثِ مِنْ الِاحْتِمَالِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَمُعْتَبَرٌ.
[ (الْمَادَّةُ ٧٤) لَا عِبْرَةَ لِلتَّوَهُّمِ]
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ذُكِرَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ، وَمِنْهَا (مَجْمَعُ الْفَتَاوَى) وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ، كَمَا لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ اسْتِنَادًا عَلَى وَهْمٍ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الشَّيْءِ الثَّابِتِ بِصُورَةٍ قَطْعِيَّةٍ بِوَهْمٍ طَارِئٍ.
مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا تُوُفِّيَ الْمُفْلِسُ تُبَاعُ أَمْوَالُهُ وَتُقْسَمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ جَدِيدٌ، وَالْوَاجِبُ مُحَافَظَةً عَلَى حُقُوقِ ذَلِكَ الدَّائِنِ الْمَجْهُولِ أَلَّا تُقْسَمَ وَلَكِنْ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلتَّوَهُّمِ تُقْسَمُ الْأَمْوَالُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَمَتَى ظَهَرَ غَرِيمٌ جَدِيدٌ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُمْ حَسْبَ الْأُصُولِ الْمَشْرُوعَةِ. كَذَا إذَا بِيعَتْ دَارٌ وَكَانَ لَهَا جَارَانِ لِكُلٍّ حَقُّ الشُّفْعَةِ، أَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَادَّعَى الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ فِيهَا، يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ إرْجَاءُ الْحُكْمِ بِدَاعِي أَنَّ الْغَائِبَ رُبَّمَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِي الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ، كَذَلِكَ إذَا كَانَ لِدَارِ شَخْصٍ نَافِذَةٌ عَلَى أُخْرَى لِجَارِهِ تَزِيدُ عَلَى طُولِ الْإِنْسَانِ، فَجَاءَ الْجَارُ طَالِبًا سَدَّ تِلْكَ النَّافِذَةِ بِدَاعِي أَنَّهُ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُ النَّافِذَةِ بِسُلَّمٍ وَيُشْرِفَ عَلَى مَقَرِّ النِّسَاءِ، فَلَا يُلْتَفَتُ لِطَلَبِهِ، كَذَا لَا يُلْتَفَتُ لِطَلَبِهِ فِيمَا لَوْ وَضَعَ جَارُهُ فِي غَرْفَةٍ مُجَاوِرَةٍ لَهُ تِبْنًا وَطَلَبَ رَفْعَهُ بِدَاعِي أَنَّهُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ تَعْلَقَ بِهِ النَّارُ فَتَحْتَرِقَ دَارُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute