وَلَا يَمْتَازُ الْحَاجِرُ عَنْ غَيْرِهِ يَعْنِي لَا يُوجَدُ لِلدَّائِنِينَ الْحَاجِرِينَ امْتِيَازٌ فِي أَمْوَالِ الْمَدِينِ الْمَوْجُودَةِ حِينَ الْحَجْرِ فَلِكُلِّ دَائِنٍ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِمِقْدَارِ مَالِهِ مِنْ الدَّيْنِ الثَّابِتِ وُجُودُهُ بِالشَّهَادَةِ حَتَّى لَيْسَ لِلْمَحْجُورِ أَنْ يُؤَدِّيَ لِبَعْضِ الدَّائِنِينَ دُيُونَهُمْ كَامِلَةً بِرِضَاهُ وَيَحْرِمَ الْآخَرِينَ وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَعْطَى الْمَدِينُ الْمَحْجُورُ دَائِنًا دَيْنَهُ كَامِلًا فَيُجْبَرُ ذَلِكَ الدَّائِنُ عَلَى رَدِّ مَا يَزِيدُ عَمَّا يَلْحَقُهُ مِنْ الدَّيْنِ غَرَامَةَ بَاقِي الْغُرَمَاءِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) .
وَهَذِهِ الْمَادَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامَيْنِ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَ مَالَ الْمَدِينِ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ الْمَدِينُ عَلَى بَيْعِهِ إجْبَارًا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ أَيْضًا لِأَجْلِ الدَّيْنِ فَيَبْدَأُ بِمَا بَيْعُهُ أَهْوَنُ فِي حَقِّ الْمَدِينِ بِتَقْدِيمِ النُّقُودِ أَوَّلًا فَإِنْ لَمْ تَفِ فَالْعُرُوضُ فَإِنْ لَمْ تَفِ الْعُرُوض أَيْضًا فَالْعَقَارُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ تَحْصُلُ بِهِ الْمُسَارَعَةُ إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ مَعَ مُرَاعَاةِ جَانِبِ الْمَدِينِ وَهَذَا نَافِعٌ لَلْمَدِينِ وَالْغُرَمَاءِ مَعًا (الْهِنْدِيَّةُ) . حَاصِلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ نَاظِرًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ لَلْمَدِينِ كَمَا يَنْظُرُ لِلْغُرَمَاءِ فَيَبِيعَ مَا كَانَ أُنْظِرَ لَهُ (الْعِنَايَةُ) وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعُرُوضِ يَكْفِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعُرُوضِ الَّتِي يُخْشَى عَلَيْهَا التَّلَفُ وَتُبَاعُ الْعُرُوض الْأُخْرَى فِي حَالِ عَدَمِ كِفَايَةِ تِلْكَ الْعُرُوضِ وَمِنْ ثَمَّ يَنْتَهِي إلَى الْعَقَارِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَيَبْدَأُ الْقَاضِي بِبَيْعِ النُّقُودِ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلسَّلْبِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا فَيَكُونُ بَيْعُهَا أَهْوَنُ عَلَى الْمَدِينِ، فَإِنْ فُضِلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَاعَ الْعُرُوضَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُعَدُّ لِلتَّقَلُّبِ وَالِاسْتِرْبَاحِ فَلَا يَلْحَقُهُ كَبِيرُ ضَرَرٍ فِي بَيْعِهَا فَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهَا بَاعَ الْعَقَارَ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُعَدُّ لِلِاقْتِنَاءِ فَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي بَيْعِهِ فَلَا يَبِيعُهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ (التَّنْقِيحُ) . فَقَوْلُهُ (يَبْدَأُ بِالنُّقُودِ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بَيْعَ النُّقُودِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ عِبَارَةُ (يَبْدَأُ بِالْأَهْوَنِ) وَيَكُونُ بَيْعُ النُّقُودِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: فَإِذَا كَانَ دَيْنُ الدَّائِنِ ذَهَبًا وَالْمَوْجُودُ عِنْدَ الْمَدِينِ مِنْ النُّقُودِ فِضَّةٌ تُبْدَلُ الْفِضَّةُ بِذَهَبٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ فِضَّةً وَالْمَوْجُودُ ذَهَبًا فَيُبْدَلُ الذَّهَبُ بِفِضَّةٍ وَيُؤَدَّى الدَّيْنُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْهِدَايَةُ) . أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ ذَهَبًا وَمَالُ الْمَدِينِ ذَهَبًا أَيْضًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيْعِ فَيُوفِي الْحَاكِمُ الدَّيْنَ مِنْهُ بِلَا أَمْرِ الْمَدِينِ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ فِضَّةً وَنَقْدُ الْمَدِينِ فِضَّةً أَيْضًا فَلِلْحَاكِمِ أَيْضًا أَنْ يُوفِيَ الدَّيْنَ مِنْهُ بِلَا أَمْرِ الْمَدِينِ وَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الدَّائِنَ إذَا ظَفِرَ بِمَالٍ لِلْمَدِينِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَهُ الْحَقُّ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ بِدُونِ رِضَا الْمَدِينِ وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعِينَهُ فِي اسْتِيفَاءِ ذَلِكَ الْحَقِّ (الْهِدَايَةُ) .
وَبَيْعُ النُّقُودِ أَخَفُّ وَأَهْوَنُ مِنْ بَيْعِ غَيْرِهَا كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَجَلَّةِ وَوَجْهُ الْأَخَفِّيَّةِ هُوَ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهَا فَقَدْ أُعِدَّتْ لِلسَّلْبِ (التَّنْقِيحُ) . وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَدِينِ هُنَا الْمَدِينُ الْحَاضِرُ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَدِينُ غَائِبًا فَحِينَئِذٍ لَا تُبَاعُ عُرُوضُهُ وَعَقَارَاتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ (أَبُو السُّعُودِ)
[ (مَادَّةُ ٩٩٩) الْمَدِينُ الْمُفْلِسُ إذَا خَافَ غُرَمَاؤُهُ ضَيَاعَ مَالِهِ]
(مَادَّةُ ٩٩٩) - (الْمَدِينُ الْمُفْلِسُ أَيْ الَّذِي دَيْنُهُ مُسَاوٍ لِمَالِهِ أَوْ أَزْيَدُ إذَا خَافَ غُرَمَاؤُهُ ضَيَاعَ مَالِهِ بِالتِّجَارَةِ أَوْ أَنْ يُخْفِيَهُ أَوْ يَجْعَلَهُ بِاسْمِ غَيْرِهِ وَرَاجَعُوا الْحَاكِمَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute