امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَهُوَ مُقْتَدِرٌ يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُقْتَدِرٍ أَيْ مُفْلِسًا وَامْتَنَعَ عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ كَمَا سَيَذْكُرُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ ٠ وَهَذَا الْحَجْرُ يُؤَثِّرُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَادَّةِ (١٠٠٢) الْهِدَايَةُ.
تَجْرِي الْأُمُورُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْآتِي:
١ - إذَا امْتَنَعَ عَنْ بَيْعِ مَالِهِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ (وَلَوْ كَانَ الْمَالُ عَقَارًا وَالثَّمَنُ قَلِيلًا) يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ بِحَبْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ فَيُحْبَسُ لِأَجْلِهِ فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ (نَتَائِجُ الْأَفْكَارِ) وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْمَدِينِ، وَالْمُمَاطَلَةَ ظُلْمٌ فَيَحْبِسُ الْحَاكِمُ الْمَدِينَ لِدَفْعِ ظُلْمِهِ وَلِإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ وَهَذَا الْجَبْرُ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا عَلَى الْبَيْعِ (الطَّحْطَاوِيُّ) ؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ الْمَذْكُورَ يَحِقُّ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٩٤٨) وَالْحَبْسُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. فَقَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] أَيْ يُحْبَسُوا؛ لِأَنَّ نَفْيَهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ لَا يُتَصَوَّرُ وَفِي السُّنَّةِ قَدْ حَبَسَ الرَّسُولُ الْأَكْرَمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه رَجُلًا وَفِي الْإِجْمَاعِ فَقَدْ أَنْشَأَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْبِسًا فِي الْكُوفَةِ وَأَسْمَاهُ (النَّافِعَ) ثُمَّ أَسْمَاهُ (مَحْبِسًا) لِإِنْشَائِهِ إيَّاهُ مُسْتَحْكِمًا لِعَدَمِ فِرَارِ الْمَحْبُوسِينَ مِنْهُ. وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَجْمَعِينَ وَلَمْ يُخَالِفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
وَالْمَحْبِسُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا مَعْنَاهُ الْمُذَلِّلُ يُقَالُ حَبَسَهُ أَذَلَّهُ (الْجَوْهَرَةُ) .
وَيُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ لَفْظِ الْمَالِ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ مُطْلَقًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الدَّائِنِ أَوْ مَأْجُورًا أَوْ مُسْتَعَارًا أَيْ أَنَّهُ شَامِلٌ لِكُلِّ مِلْكٍ لَهُ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٦٤) (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَيُسْتَفَادُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمَجَلَّةِ (وَإِذَا امْتَنَعَ) الْإِجْبَارُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِيهَا إجْبَارُ الْمَدِينِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ صَرَاحَةً. وَفِي النَّوَادِرِ (وَإِذَا حُبِسَ فِي الدَّيْنِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ حَتَّى يَقْضِيَ دُيُونَهُ الَّتِي حُبِسَ لِأَجْلِهَا) (الطُّورِيُّ) .
وَعَلَيْهِ لَوْ امْتَنَعَ الدَّيْنُ بَعْدَ إجْبَارِهِ عَنْ بَيْعِهِ مَالَهُ وَتَأْدِيَةِ الدَّيْنِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَأَدَّى دَيْنَهُ؛ وَلِأَنَّ بَيْعَ الْمَالِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَلَازِمٌ وَالْمُمَاطَلَةَ ظُلْمٌ وَلِذَا يَنُوبُ الْحَاكِمُ مَنَابَ الْمَدِينِ فِي حَالِ إجْبَارِهِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ بِالْحَبْسِ وَإِصْرَارِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ كَمَا فِي الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ (الْهِدَايَةُ) .
وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ إيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . وَقَدْ أُرِيدَ بِتَغْيِيرِ (مَالِهِ) فِي الْمَجَلَّةِ الِاحْتِرَازُ عَمَّا يُعْهَدُ إلَيْهِ بِهِ مِنْ الْجِهَاتِ وَالتَّعْيِينَاتِ كَالْقِيَمِيَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ فَلَا يُجْبَرُ الْمَدِينُ إذَا كَانَ فِي عُهْدَتِهِ أَشْيَاءُ كَهَذِهِ عَلَى الْفَرَاغِ بِهَا لِأَجْلِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَالَهُ فَلَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِهَا (رَدُّ الْمُحْتَارِ بِإِيضَاحٍ) . لَكِنَّ التَّعْبِيرَ الْمَذْكُورَ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْمُسْتَغَلَّاتِ الْوَقْفِيَّةِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِالْإِجَارَتَيْنِ وَالْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِجْبَارَ عَلَى الْفَرَاغِ بِهَا لِآخَرَ لِأَجْلِ الدَّيْنِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute