[الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ شَرِكَةِ الْعَقْدِ وَيَحْتَوِي عَلَى سِتَّةِ فُصُولٍ]
ٍ) لِلشَّرِكَةِ مَحَاسِنُ كَثِيرَةٌ إذْ بِوَاسِطَةِ الْآثَارِ الَّتِي تَحْصُلُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ يَنْتَفِعُ الشُّرَكَاءُ كَمَا أَنَّهُ يَنْتَفِعُ فِي بَعْضِهَا جَمِيعُ النَّاسِ إذْ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ إنْشَاءُ سِكَّةِ حَدِيدٍ بِطُولِ مِائَتَيْ كِيلُو مِتْرٍ بِرَأْسِ مَالِ ثَرِيٍّ أَوْ ثَرِيَّيْنِ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ إنْشَاءُ سِكَّةِ حَدِيدٍ بِطُولِ أَلْفَيْ كِيلُو مِتْرٍ بِرَأْسِ مَالِ مِلْيُونَيْ شَخْصٍ أَوْ إنْشَاءُ خَمْسِينَ بَاخِرَةً. إنَّ الْبَوَاخِرَ وَالْقِطَارَاتِ تُسَهِّلُ سَيْرَ النَّاسِ وَسَفَرَهُمْ وَبِتَعَاوُنِ النَّاسِ وَتَنَاصُرِهِمْ يُمْكِنُهُمْ الْقِيَامُ بِمَشَارِيعَ عَظِيمَةٍ وَمُفِيدَةٍ. لَا يَسْتَطِيعُ حَمَّالَانِ أَنْ يَحْمِلَا حِمْلًا بِثِقْلِ مِائَتَيْ رِطْلٍ. أَمَّا إذَا تَعَاوَنَ ثَمَانِيَةُ أَوْ عَشَرَةُ حَمَّالِينَ عَلَى حَمْلِ ذَلِكَ الْحِمْلِ الثَّقِيلِ فَيَسْتَطِيعُونَ حَمْلَهُ بِسُهُولَةٍ. كَذَلِكَ لَا يَسْتَطِيعُ خَمْسَةُ أَوْ عَشَرَةُ جُنُودٍ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى قَلْعَةٍ أَوْ اسْتِحْكَامٍ وَلَكِنْ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فِرْقَةٌ عَسْكَرِيَّةٌ. وَيَكُونُ بَعْضُ النَّاسِ ذَا مَالٍ وَلَكِنْ لَا يَعْرِفُ طَرِيقَ الِانْتِفَاعِ وَالتِّجَارَةِ بِذَلِكَ الْمَالِ كَمَا يَكُونُ بَعْضُ أُنَاسٍ مَاهِرِينَ فِي التِّجَارَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لَدَيْهِمْ مَالٌ فَلِذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ ذَانِكَ الْفَرِيقَانِ وَدَفَعَ أَحَدُهُمَا مَالَهُ وَقَدَّمَ الْآخَرُ عَمَلَهُ فَيَسْتَفِيدُ كِلَاهُمَا أَحَدُهُمَا بِرَأْسِ مَالٍ وَالْآخَرُ بِعَمَلِهِ. الْخُلَاصَةُ: إنَّ الشَّرِكَةَ سَبَبٌ لِغَنَاءِ الْأُمَّةِ وَعَمَارِ الْبِلَادِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: ٦١] أَيْ أَقْدَرَكُمْ عَلَى الْعِمَارَةِ مِثْلُ سَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ عَلَى الْأَنْهُرِ الْمُهْلِكَةِ وَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فِي الْمِصْرِ وَبِنَاءِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ تَيْسِيرًا لِلنَّاسِ فِي أُمُورِهِمْ. وَبِنَاءِ بُيُوتِهِمْ كَالْبُيُوتِ الَّتِي يُسْكَنُ فِيهَا وَيُمْكَثُ فِيهَا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ (الشَّيْخُ زَادَهْ مَعَ الْقَاضِي فِي سُورَةِ هُودٍ) وَمِنْ جُمْلَةِ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي إيجَادِ الْإِنْسَانِ أَنْ يُعَمِّرَ الْأَرْضَ وَقَدْ نَبَّهَ إلَى ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: ٦١] وَقَدْ وُلِّيَ الْإِنْسَانُ بِهَذَا الْأَمْرِ وَقَدْ أُشِيرَ فِي الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ بِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ غَيْرِ الْإِنْسَانِ غَيْرُ صَالِحٍ لِذَلِكَ (تَفْصِيلُ النَّشْأَتَيْنِ) وَمَشْرُوعِيَّةُ الشَّرِكَةِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْمَعْقُولِ لِأَنَّ النَّاسَ حِينَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ كَانُوا يُبَاشِرُونَ الشَّرِكَةَ وَكَانَ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ يُقِرُّ ذَلِكَ أَيْ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى مُبَاشَرَتِهِمْ الشَّرِكَةَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ.
وَطَرِيقُ الشَّرِكَةِ هِيَ ابْتِغَاءُ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مَشْرُوعٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ الْكَرِيمِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَالدُّرُّ الْمُنْتَقَى)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute