يَبْقَى الضَّمَانُ الْوَاقِعُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ مَا لَمْ يُؤْخَذْ وَيُقْبَضْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مَدِينٌ بِبَدَلِ الضَّمَانِ فَتَأْدِيَتُهُ لَا تَصِحُّ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ يَدِهِ وَيُقْبَضَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلدَّيْنِ وَقَابِضًا لَهُ فِي آنٍ وَاحِدٍ. (الشَّارِحُ) .
عَوْدَةُ الْمُرْتَهِنِ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ مُخَالَفَتِهِ: قَوْلُهُ - (إذَا أَتْلَفَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ عَيَّبَ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا خَالَفَ أَمْرَ الرَّاهِنِ وَعَمِلَ شَيْئًا يُوجِبُ الضَّمَانَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ نَقْصٌ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ وَكَذَّبَهُ الرَّاهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٧٦) رَدُّ الْمُحْتَارِ.
فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا أَنَّ تَعْبِيرَ (يَبْرَأُ الرَّاهِنُ مِنْ الضَّمَانِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَإِلَّا فَكَمَا سَيَذْكُرُ فِي اللَّاحِقَةِ الْآتِيَةِ أَنَّ الضَّمَانَ الَّذِي يَكُونُ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِسَبَبِ هَلَاكِ الرَّهْنِ بَاقٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
[لَاحِقَة فِي بَيَان الْمَسَائِل الْعَائِدَة لِسُقُوطِ الدِّين بِهَلَاكِ الرَّهْن فِي يَد المرتهن أَوْ الْعَدْل]
لَاحِقَةٌ.
فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْعَائِدَةِ لِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ وَإِنْ تَكُنْ سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ إجْمَالًا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١ ٠ ٤) فَقَدْ شُرِّعَ بِتَفْصِيلِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي بِنَاءً عَلَى الْمُنَاسَبَةِ الْمَوْقِعِيَّةِ: مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِضَمَانِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ وَلَكِنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ بِعَدَمِ سُقُوطِ الدَّيْنِ كُلًّا أَوْ قِسْمًا عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ وَسَرَدَ مَا يَأْتِي فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ (إنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الرَّهْنِ كَانَتْ لِأَجْلِ الطُّمَأْنِينَةِ مِنْ الدَّيْنِ أَيْ لِأَجْلِ تَأْمِينِ اسْتِيفَائِهِ فَإِذَا كَانَ مَضْمُونًا وَكَانَ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى التَّوْثِيقِ قَدْ فَاتَ) .
وَاجْتِهَادُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَقَوْلُ الْبَاجُورِيِّ وَهُوَ مِنْ مُحَقِّقِي الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي مَضْمُونِيَّةِ الرَّهْنِ مُطَابِقٌ لِلْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ. فَعِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ ضَامِنًا لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ مُتَعَدِّيًا سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ أَمْ قَبْلَهَا. وَعَدَمُ إعْطَاءِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ فِي حَالِ طَلَبِ الرَّاهِنِ وَاسْتِعْمَالُ الرَّهْنِ تَعَدٍّ. (انْتَهَى) .
وَرَغْمًا عَنْ أَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مِنْ أَحْكَامِ الرَّهْنِ الْعُمُومِيَّةِ وَمِنْ الْمُهِمِّ فِيهَا فَلَمْ يُكْتَبُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ شَيْءٌ عَنْهَا لَا صَرَاحَةً وَلَا إشَارَةً بَلْ إنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَادَّةِ (١١٠٨) .
أَدِلَّةُ الْحَنَفِيَّةِ - اسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى مَضْمُونِيَّةِ الرَّهْنِ بِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَبِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ السُّنَّةُ: الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ الْمَرْوِيُّ عَنْ الرَّسُولِ وَهُوَ «أَنَّ رَجُلًا ارْتَهَنَ فَرَسًا فَمَاتَ الْفَرَسُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ حَقُّك» فَهَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الدَّيْنِ بِضَيَاعِ الرَّهْنِ شِبْلِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute