رَجْعِيًّا وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ مَحْجُورٌ عَنْ الْمَالِ (الطُّورِيُّ) .
الثَّانِيَةُ: كَوْنُ تَصَرُّفَاتِهِ الَّتِي قَبْلَ الْحَجْرِ صَحِيحَةً، وَهَذَا الْحُكْمُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٩٥٨) . أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَبِمَا أَنَّ السَّفِيهَ يَنْحَجِرُ بِمُجَرَّدِ سَفَهِهِ فَتَصَرُّفَاتُهُ الْقَوْلِيَّةُ بَعْدَ السَّفَهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْحَجْرِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
[ (مَادَّةُ ٩٩٢) يُنْفَقُ عَلَى السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ وَعَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ مَالِهِ]
السَّفِيهُ مُسَاوٍ لِغَيْرِ السَّفِيهِ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يَثْبُتُ بِإِيجَابٍ إلَهِيٍّ، أَوْ الَّذِي يَثْبُتُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلنَّاسِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهِ فَاَلَّذِي يَجِبُ بِالْإِيجَابِ الْإِلَهِيِّ هُوَ الزَّكَاةُ وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَا يُمَاثِلُ ذَلِكَ، أَمَّا مَا يَجِبُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلنَّاسِ فَهُوَ كَنَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ. وَعَلَيْهِ فَيُنْفَقُ عَلَى السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ شَرْعًا كَالزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ زَوْجِهِ وَأَوْلَادِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ. وَنَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَاجِبَةٌ لِحَقِّ الْقَرَابَةِ، وَالسَّفَهُ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ النَّاسِ، فَلِذَلِكَ تَلْزَمُ النَّفَقَاتُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (الزَّيْلَعِيّ) . وَإِذَا مَرِضَ السَّفِيهُ يُزَادُ فِي نَفَقَتِهِ لِزِيَادَةِ الْحَاجَةِ فِي أَوْقَاتِ الْمَرَضِ (الطُّورِيُّ) . وَبِمَا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إقْرَارُ السَّفِيهِ بِالنَّسَبِ فَالْقَرِيبُ الَّذِي يَدَّعِي النَّفَقَةَ مُجْبَرٌ عَلَى إثْبَاتِ جِهَةِ قَرَابَتِهِ بِالْبَيِّنَةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّفِيهُ الْمُقِرُّ بِالنَّسَبِ رَجُلًا فَيُصَدَّقُ إقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فَقَطْ: بِالْوَالِدِ، وَالْوَلَدِ، وَالزَّوْجَةِ، وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ إذَا لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا وَكَانَ مُصْلِحًا يُصَدَّقُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فَقَطْ وَلَا يُصَدَّقُ فِي مَا عَدَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، فَلَا يُصَدَّقُ السَّفِيهُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ. يَعْنِي أَنَّ السَّفِيهَ وَالْمُصْلِحَ فِي هَذَا مُتَسَاوِيَانِ وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ التَّزْوِيجَ يَصِحُّ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ (الْجَوْهَرَةُ) وَإِذَا كَانَتْ الْمُقِرَّةُ سَفِيهَةً تُصَدَّقُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَقَطْ: بِالْوَالِدِ، وَالزَّوْجِ، وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَمَّا فِي الْوَلَدِ فَلَا تُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ. وَيَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتَ بِالْبَيِّنَةِ كَوْنُ مُسْتَحِقِّ النَّفَقَةِ مُعْسِرًا أَيْ مُحْتَاجًا لِلنَّفَقَةِ. حَتَّى تُقَدَّرَ النَّفَقَةُ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ. وَلَا تُقَدَّرُ النَّفَقَةُ بِإِقْرَارِ السَّفِيهِ عَلَى كَوْنِ مُدَّعِي النَّفَقَةِ مُعْسِرًا (الشِّبْلِيُّ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ قَرَارٌ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْإِلْزَامِ (الْعِنَايَةُ) .
أَمَّا صُورَةُ الْإِنْفَاقِ وَالصَّرْفِ، فَلَا يُسَلِّمُ الْقَاضِي السَّفِيهَ بَلْ يَدْفَعُهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ إلَى مُحْتَاجِي النَّفَقَةِ وَيُسَلِّمُهَا إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَوْ نَذَرَ لَهُ ظَاهِرٌ، حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ، فَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَظِهَارِهِ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُمَا وَجَبَا بِفِعْلِهِ، فَلَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَبَذَّرَ أَمْوَالَهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ (الْجَوْهَرَةُ) .
صُورَةُ أَدَاءِ زَكَاةِ الْمَحْجُورِ: إنَّ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْمَحْجُورِ يُفْرِزُهَا الْقَاضِي مِنْ مَالِهِ، أَيْ مَالِ الْمَحْجُورِ، وَيُسَلِّمُهَا إلَيْهِ لِيُعْطِيَهَا الْمَحْجُورُ إلَى مَصْرِفِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَلْزَمُ فِيهَا النِّيَّةُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَيُرْسِلُ مَعَهُ أَمِينَهُ حَتَّى لَا يَصْرِفَهَا فِي مَكَان آخَرَ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
صُورَةُ حَجِّ الْمَحْجُورِ: إذَا أَرَادَ السَّفِيهُ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَلَا يَمْنَعُ الْقَاضِي النَّفَقَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا السَّفِيهُ إلَى حَاجٍّ ثِقَةٍ أَمِينٍ تُصْرَفُ عَنْ يَدِهِ حَتَّى لَا يُبَذِّرَهَا وَيُسْرِفَ فِيهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute