للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَدَلَالَةُ الِاقْتِضَاءِ هَذِهِ أَلَّا يَصِحَّ اللَّفْظُ شَرْعًا إلَّا بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ لَهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَوْلَا التَّقْدِيرُ لَكَانَ لَغْوًا يُصَارُ عَنْهُ كَلَامُ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ كَأَنْ يُقَالَ لِرَجُلِ مَثَلًا: اعْتِقْ عَبْدَكَ مِنِّي بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَالْإِعْتَاقُ الْمَذْكُورُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ وَالْمِلْكِيَّةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْبَيْعِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ " فَتَقْدِيرُ الْبَيْعِ لَازِمٌ لِتَصْحِيحِ قَوْلِهِ (اعْتِقْ عَبْدَكَ) إلَخْ.

فَالْبَيْعُ هُنَا " مُقْتَضًى " كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِعْتَاقِ (مُقْتَضًى) أَيْضًا وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمِثَالِ: قَدْ اشْتَرَيْت عَبْدَك بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَإِنَّنِي أُوَكِّلُك بِعِتْقِهِ. فَالْبَيْعُ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ هُنَا قَدْ أَصْبَحَ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ مَذْكُورًا وَقَدْ ثَبَتَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ حَمَوِيٌّ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْت عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ، وَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي بِقَوْلِهِ: فَهُوَ حُرٌّ، فَقَدْ ثَبَتَ اقْتِضَاءُ لَفْظَةِ " اشْتَرَيْت " وَأَصْبَحَ مَعْنَى ذَلِكَ قَدْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ هُنَا (مُقْتَضًى) وَطَلَبَ هَذَا الْكَلَامُ الزِّيَادَةَ يَعْنِي طَلَبَهُ الْبَيْعُ (اقْتِضَاءً) وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ (مُقْتَضًى) وَالشَّيْءُ الَّذِي ثَبَتَ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ ثَبَتَ (بِحُكْمِ الِاقْتِضَاءِ) .

وَبَيَانُ الْمِثَالِ الْأَخِيرِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَهُوَ (إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: خُذْ هَذَا الْمَالَ، وَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي: أَخَذْت، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: أَخَذْت، وَأَجَابَهُ الْبَائِعُ: خُذْهُ) إنَّ صِيغَةَ (خُذْ) هُنَا تَقْتَضِي وُجُودَ الْبَيْعِ قَبْلَ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فَأَصْبَحَتْ دَالَّةً عَلَى الْحَالِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ إذْ يَكُونُ الْمَعْنَى بِعْتُكَ فَخُذْهُ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِهَا وَلَا يَحِقُّ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَنْ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، أَمَّا عَدَمُ انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ فَهُوَ فِي حَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ الْقَبُولِ ثَالِثًا كَمَا تَقَدَّمَ، أَمَّا إذَا وُجِدَ الْقَبُولُ ثَالِثًا فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ.

مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: بِعْنِي هَذَا الْمَالَ بِكَذَا دِرْهَمًا فَأَجَابَهُ الْبَائِعُ: بِعْته، ثُمَّ عَادَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ أَوْ أَخَذْته، أَوْ إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الْمَالَ بِمَبْلَغِ كَذَا فَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي بِقَوْلِهِ اشْتَرَيْت ثُمَّ خَاطَبَهُ الْبَائِعُ بِقَوْلِهِ: بِعْت فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ (هِنْدِيَّةٌ) " رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ١٧٠ "

[ (الْمَادَّةُ ١٧٣) الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِالْمُكَاتَبَةِ]

(الْمَادَّةُ ١٧٣) :

كَمَا يَكُونُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِالْمُشَافَهَةِ يَكُونُ بِالْمُكَاتَبَةِ أَيْضًا يَجْرِي حُكْمُ هَذِهِ الْمَادَّةِ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ كَالْإِجَارَةِ، وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا فَكَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ لَفْظًا وَشِفَاهًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا مُكَاتَبَةً، وَكَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مُكَاتَبَةً مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَذَلِكَ يَجُوزُ بِكِتَابٍ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ. ثَالِثًا: بِرِسَالَةٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. رَابِعًا: بِرِسَالَةٍ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ وَلَفْظٍ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مُعَنْوَنًا وَمَرْسُومًا كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْبَلَ الْإِيجَابَ مِنْ الْمُخَاطَبُ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يَصِلُ فِيهِ إلَيْهِ الْكِتَابُ. يَعْنِي يَعْتَبِرُ الْمَجْلِسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بُلُوغَ الْكِتَابِ أَدَاءُ الرِّسَالَةِ.

مِثَالٌ: إذَا كَتَبَ شَخْصٌ كِتَابًا لِآخَرَ غَائِبٍ يَتَضَمَّنُ بَيْعَهُ لِمَالٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالٍ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَأَرْسَلَ ذَلِكَ الْكِتَابَ لَهُ وَبَعْدَ أَنْ وَصَلَ الْكِتَابُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَقَرَأَهُ وَوَقَفَ عَلَى مَالِهِ كَتَبَ أَيْضًا كِتَابًا إلَى ذَلِكَ الْبَائِعِ مُعَنْوَنًا وَمَرْسُومًا يَتَضَمَّنُ قَبُولَ ذَلِكَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ يَكُونُ قَدْ انْعَقَدَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ كِتَابِيٍّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَتَبَ شَخْصٌ كِتَابًا إلَى شَخْصٍ غَائِبٍ يَتَضَمَّنُ بَيْعَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>