[الْمُقَدِّمَةُ فِي بَيَانِ بَعْضِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالشَّرِكَةِ]
الْمُقَدِّمَةُ (فِي بَيَانِ بَعْضِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ)
يُفْهَمُ مِنْ تَعْبِيرِ " بَعْضِ " أَنَّهُ سَوْفَ لَا تُذْكَرُ هُنَا عُمُومُ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ. بَلْ سَيُذْكَرُ بَعْضُ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي يُرَى لُزُومٌ لِبَيَانِهَا وَالْمُتَعَلِّقَةُ بِالشَّرِكَةِ (الْمَادَّةُ ١٠٤٥) - (الشَّرِكَةُ فِي الْأَصْلِ هِيَ اخْتِصَاصُ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ مِنْ النَّاسِ بِشَيْءٍ وَامْتِيَازُهُمْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ. لَكِنْ تُسْتَعْمَلُ أَيْضًا عُرْفًا وَاصْطِلَاحًا فِي مَعْنَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِهَذَا الِاخْتِصَاصِ. فَلِذَلِكَ تُقْسَمُ الشَّرِكَةُ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ إلَى قِسْمَيْنِ. أَحَدُهُمَا: شَرِكَةُ الْمِلْكِ، وَتَحْصُلُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ كَالِاشْتِرَاءِ وَالِاتِّهَابِ وَالثَّانِي: شَرِكَةُ الْعَقْدِ، وَتَحْصُلُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ. وَتَأْتِي تَفْصِيلَاتُ الْقِسْمَيْنِ فِي بَابِهِمَا الْمَخْصُوصِ، وَيُوجَدُ سِوَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ شَرِكَةُ الْإِبَاحَةِ، وَهِيَ كَوْنُ الْعَامَّةِ مُشْتَرِكِينَ فِي صَلَاحِيَّةِ التَّمَلُّكِ بِالْأَخْذِ وَالْإِحْرَازِ لِلْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي الْأَصْلِ مِلْكًا لِأَحَدٍ كَالْمَاءِ) تُوجَدُ ثَلَاثُ لُغَاتٍ فِي الشَّرِكَةِ، أَوَّلُهَا: اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، ثَانِيهَا: بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، ثَالِثُهَا: بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ. وَمَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ بِصُورَةٍ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ (الْبَحْرُ) وَعَلَى ذَلِكَ فَتَكُونُ الشَّرِكَةُ مِنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ مِنْ فِعْلِهِ. أَمَّا الِاخْتِلَاطُ فَهُوَ صِفَةُ الْمَاءِ وَيَثْبُتُ بِالْخَلْطِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْإِنْسَانِ (الْبَحْرُ) . وَلَكِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى الشَّرِكَةِ الَّتِي تَحْصُلُ بِالِاخْتِلَاطِ شَرِكَةً كَمَا سَيُذْكَرُ آتِيًا، لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ صِفَةُ الْمَالِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ أَيْ الِاخْتِلَاطُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِفِعْلِ الْخَالِطِينَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَيُقَالُ لِلْمَالِ " مُشْتَرَكٌ فِيهِ " وَ " مُشْتَرَكٌ " أَيْ تَعْلِيقُ الِاشْتِرَاكِ وَالْخَلْطُ فِيهِ، وَنَحْوُ قَوْلِهِمْ: مَالٌ مُشْتَرَكٌ أَيْ مُشْتَرَكٌ فِيهِ وَيُسَمَّى هَذَا حَذْفًا وَإِيصَالًا، إظْهَارٌ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ اشْتَرَكَ وَبِنَاؤُهُ لِلْمُطَاوَعَةِ يُقَالُ أَشْرَكْت زَيْدًا فِي هَذَا الْمَالِ فَاشْتَرَكَ أَيْ قَبِلَ زَيْدٌ الشَّرِكَةَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ نَائِبُ فَاعِلِهِ هُوَ الشَّرِيكُ، وَلَمَّا أُسْنِدَ هَذَا إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى الْمَالِ، وَالْمَالُ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَلْ مُشْتَرَكٌ فِيهِ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ فِيهِ حَذْفًا وَهُوَ فِي الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ وَرَاجِعٌ إلَى الْمَالِ وَالْمَجْرُورُ مَرْفُوعٌ مَحَلًّا عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلِ الْمُشْتَرَكِ فَحُذِفَ الْجَارُّ مِنْهُ سَمَاعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute