وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَصْلِ أَيْ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي الْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ هِيَ اخْتِصَاصُ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ مِنْ النَّاسِ بِشَيْءٍ وَامْتِيَازُهُمْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَيَدَّعِي أُولَئِكَ النَّاسُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَيُقَالُ مُشْتَرِكُونَ وَمُشَارِكُونَ. مَثَلًا إذَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي فَرَسٍ فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الْفَرَسُ بِذَيْنِك الشَّخْصَيْنِ وَيَمْتَازَانِ بِهَا بِسَبَبِ أَنَّ تِلْكَ الْفَرَسَ لَا تَكُونُ لِغَيْرِ ذَيْنِك الشَّخْصَيْنِ وَلَا يَمْتَازُ غَيْرُهُمَا بِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ شَرِكَةً وَتَكُونُ الْفَرَسُ مُشْتَرَكَةً أَوْ مُشْتَرَكًا فِيهَا وَيُدْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا وَمُشَارِكًا، وَبِذَلِكَ تَكُونُ الشَّرِكَةُ حَسَبَ هَذِهِ الْفِقْرَةِ صِفَةَ أَصْحَابِ ذَلِكَ الشَّيْءِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ بِزِيَادَةٍ) . وَلَكِنْ تُسْتَعْمَلُ الشَّرِكَةُ أَيْضًا عُرْفًا وَاصْطِلَاحًا فِي مَعْنَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِهَذَا الِاخْتِصَاصِ (الْبَحْرُ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْصُلْ اخْتِلَاطُ النَّصِيبَيْنِ. مَثَلًا لَوْ وَضَعَ كُلُّ شَرِيكٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مِائَةَ دِينَارٍ رَأْسَ مَالٍ لِلشَّرِكَةِ وَعَقَدَا شَرِكَةً تِجَارِيَّةً بَيْنَهُمَا فَقَدْ حَصَلَتْ وَلَوْ لَمْ يَخْلِطَا رَأْسَيْ مَالِهِمَا يَعْنِي أَنَّ الشَّرِكَةَ تُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْخَلْطِ (الطَّحْطَاوِيُّ) . وَإِطْلَاقُ ذَلِكَ مَجَازًا عَلَى الشَّرِكَةِ هُوَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الشَّرِكَةِ بِمَعْنَى نَفْسِ الْعَقْدِ قَدْ أَصْبَحَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً مُؤَخَّرًا حَيْثُ قَدْ اصْطَلَحَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ (الدُّرَرُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْكِفَايَةُ) وَعَلَيْهِ فَإِذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ مُسْتَعْمَلَةً بِمَعْنَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَإِذَا قِيلَ شَرِكَةُ الْعَقْدِ فَالْإِضَافَةُ فِي ذَلِكَ بَيَانِيَّةٌ أَيْ بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ هِيَ الْعَقْدُ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَالْبَحْرُ) . وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَكُونُ الشَّرِكَةُ عِبَارَةً عَنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ وَبِذَلِكَ يَكُونُ قَدْ اتَّحَدَ مَعْنَى الشَّرِكَةِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا فِي جِهَةِ أَنَّهَا فِعْلُ الْإِنْسَانِ.
فَلِذَلِكَ أَيْ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّرِكَةِ مُسْتَعْمَلٌ بِمَعْنَى الِاخْتِصَاصِ وَالِامْتِيَازِ مَعَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَالشَّرِكَةُ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْفِقْرَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ تُقْسَمُ إلَى قِسْمَيْنِ، يَعْنِي أَنَّ الشَّرِكَةَ الَّتِي قُسِمَتْ إلَى قِسْمَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي شَرِكَةٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَيْ أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ شَرِكَةٍ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهَا الصَّحِيحِ وَالْمَعْنَى الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الشَّرِكَةِ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى شَرِكَةِ الْمِلْكِ وَشَرِكَةِ الْعَقْدِ وَلَيْسَتْ الشَّرِكَةُ الَّتِي تُقْسَمُ إلَى قِسْمَيْنِ هِيَ الشَّرِكَةُ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى شَرِكَةِ الْعَقْدِ وَإِلَّا لَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ الَّتِي سَتُقْسَمُ إلَى الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ هِيَ شَرِكَةٌ بِمَعْنَى الْعَقْدِ فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ تَقْسِيمَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ، وَإِلَى غَيْرِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ بِإِيضَاحٍ) .
الْأَوَّلُ: شَرِكَةُ الْمِلْكِ يَعْنِي شَرِكَةَ الِاخْتِصَاصِ فَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَتَحْصُلُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ كَالِاشْتِرَاءِ وَالِاتِّهَابِ وَالِاسْتِيلَاءِ أَيْ إحْرَازِ الْمَالِ الْمُبَاحِ وَبِقَبُولٍ وَقَبْضِ الصَّدَقَةِ وَبِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَبِاخْتِلَافِ الْمَالِ، وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْمَالَيْنِ بِصُوَرٍ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ تَمْيِيزُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ لِلْمَالِكَيْنِ وَبِخَلْطِ الْأَمْوَالِ أَيْ بِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْجَبْرِيَّةِ وَالِاخْتِيَارِيَّة كَمَا سَيُفَصَّلُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (١٠٦٠) وَمَا يَتْلُوهَا مِنْ الْمَوَادِّ. وَتَسْمِيَةُ هَذِهِ الشَّرِكَةِ بِشَرِكَةِ الْمِلْكِ هِيَ لِحُصُولِهَا فِي الْأَكْثَرِ بِأَحَدِ أَسْبَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute