فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ هُوَ مَا يَأْتِي: إنَّ الْمَادَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَقِّ التَّعَاطِي الْوَاقِعِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.
أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ فَالْإِرْسَالُ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ وَالْقَبْضُ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ. وَعَلَيْهِ يَكُونُ التَّعَاطِي فِي الْهِبَةِ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ مَا كَانَ التَّسْلِيمُ وَالْقَبْضُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.
النَّوْعُ الثَّانِي مَا كَانَ الْإِرْسَالُ فِي مَجْلِسٍ وَالْقَبْضُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ تَسْلِيمُ الرَّسُولِ فِي هَذَا الْإِرْسَالِ وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَالسَّبَبُ فِي قَوْلِ الْمَجَلَّةِ (وَالْقَبْضُ) عَدَمُ تَمَامِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَادَّةِ (٨٣٧) .
حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ أَحَدٌ لِآخَرَ هَدِيَّةً وَتُوُفِّيَ الْمُهْدَى إلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهَا فَتَبْقَى الْهَدِيَّةُ فِي مِلْكِ الْمُهْدِي كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَوَفَّى هُوَ الْمُهْدِي فَلَا تُسَلَّمُ الْهَدِيَّةُ إلَيْهِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " ٨٤٩ " مَجْمُوعُ الْفَتَاوَى.
[ (الْمَادَّةُ ٨٤١) الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ]
(الْمَادَّةُ ٨٤١) :
الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَيْهِ تَتِمُّ الْهِبَةُ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بِدُونِ أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت أَوْ اتَّهَبْت عِنْدَ إيجَابِ الْوَاهِبِ أَيْ قَوْلِهِ: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ.
قَبْضُ الْمَوْهُوبِ فِي الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ كَقَبُولِ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَتِمُّ إذَا وَقَعَ الْإِيجَابُ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَبَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ قَبُولُ ذَلِكَ الْإِيجَابِ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ تَنْعَقِدُ وَتَتِمُّ الْهِبَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ أَيْضًا بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْهِبَةَ بَعْدَ إيجَابِ الْوَاهِبِ لَفْظًا وَلَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِأَيِّ كَلَامٍ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ، كَقَوْلِهِ: اتَّهَبْت؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْهِبَةَ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ. (الدُّرَرُ) فَعَلَيْهِ لَمْ تَقُلْ الْمَجَلَّةُ بِأَنَّ الْقَبْضَ بِالْهِبَةِ قَبُولٌ بَلْ قَالَتْ: إنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ مُشَبِّهَةً الْقَبُولَ فِي الْهِبَةِ بِالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَقَدْ قَصَدْت بِذَلِكَ الْإِشَارَةَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُهِمَّةِ وَهِيَ انْعِقَادُ الْهِبَةِ. تَمَامُهَا مَعًا بِالْقَبْضِ وَوَجْهُ الشَّبَهِ فِي ذَلِكَ هُوَ تَمَامُ الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ إذْ لَا حَاجَةَ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ مُمَاثِلًا لِلْمُشَبَّهِ بِهِ فِي كُلِّ حُكْمٍ لِذَلِكَ جَازَ الْقَبْضُ بَعْدَ إيجَابِ الْهِبَةِ.
لَوْ حَصَلَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْهِبَةِ فَعَلَيْهِ لَا يَرِدُ السُّؤَالُ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْقَبُولُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْإِيجَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَادَّةِ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْإِيجَابِ الْقَوْلِيِّ بَلْ يَشْمَلُ الْهِبَةَ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا رَغْمًا عَنْ أَنَّ الْمَجَلَّةَ فِي مِثَالِهَا الْآتِي قَدْ صَوَّرَتْ الْمَسْأَلَةَ بِالْإِيجَابِ الْقَوْلِيِّ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَرَدَ فِي صُورَةِ الْمِثَالِ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ التَّخْصِيصُ فَعَلَيْهِ إذَا أَعْطَى شَخْصٌ حَسْبَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (٨٦٩) قِرْشًا وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَقَبَضَ السَّائِلُ ذَلِكَ الْقِسْطَ يَكُونُ هَذَا الْقَبْضُ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ. كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ شَخْصٌ حَسَبَ الْمَادَّةِ (٨٤٠) إلَى جَارِهِ طَبَقًا مِنْ ثَمَرِ كَرْمِهِ مَعَ خَادِمِهِ وَقَبَضَهُ الْجَارُ فَهَذَا الْقَبْضُ أَيْضًا كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَيْهِ تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ وَتَتِمُّ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ الْمَادَّةَ الْمَوْهُوبَةَ وَقَبِلَ ذَلِكَ الْقَبْضَ فِعْلًا بِدُونِ أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت أَوْ اتَّهَبْت عِنْدَ إيجَابِ الْوَاهِبِ أَيْ قَوْلِ: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ أَوْ أَهْدَيْتُك إيَّاهُ. وَيَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَالِكًا الْمَوْهُوبَ لِتَحَقُّقِ الْقَبْضِ (الزَّيْلَعِيّ) وَالْقَبُولُ كَمَا يَكُونُ صَرَاحَةً يَكُونُ دَلَالَةً أَيْضًا. وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَبُولٌ دَلَالَةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute