لِأَنَّ الْقِصَاصَ ثَبَتَ فِي الْمَحَلِّ بِسَبَبِ أَنَّ مَحَلَّهُ مَلُومٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَيَمْلِكُ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ بِالصُّلْحِ كَذَلِكَ إذَا حَصَلَ الصُّلْحُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ كَانَ صَحِيحًا. لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِبَعْضِ الدَّيْنِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
أَمَّا الصُّلْحُ عَنْ الشُّفْعَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَالصُّلْحِ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَيْ: إنَّهُ إذَا تَصَالَحَ الشَّفِيعُ مَعَ الْمُشْتَرِي عَنْ حَقِّ شُفْعَتِهِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْمَشْفُوعَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى مَالٍ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ. لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ فِي الْمَشْفُوعِ سِوَى حَقِّ التَّمَلُّكِ، وَإِنَّ حَقَّ هَذَا التَّمَلُّكِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وِلَايَةِ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَمْرٍ ثَابِتٍ فِي الْمَشْفُوعِ فِي مَحَلِّهِ (الدُّرَرُ) .
يَكُونُ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الشُّفْعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ الصُّلْحُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَشْفُوعِ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا الصُّلْحُ بَاطِلٌ وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ فِيهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي الصُّلْحُ عَنْ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْمَشْفُوعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَهَذَا الصُّلْحُ بَاطِلٌ وَلَعَلَّ سَبَبَ الْبُطْلَانِ هُوَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ. لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَا يَعْلَمُ ثَمَنَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ إلَّا بِالْحَزْرِ، أَمَّا الشُّفْعَةُ فَلَا تَبْطُلُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (١٥٥٥) .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ الصُّلْحُ عَنْ الْمَشْفُوعِ بِنِصْفِهِ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ فَهَذَا الصُّلْحُ صَحِيحٌ، وَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ.
[ (الْمَادَّةُ ١٥٣٥) الصُّلْحُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ]
الْمَادَّةُ (١٥٣٥) - (الصُّلْحُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ، وَهُوَ الصُّلْحُ الْوَاقِعُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، الْقِسْمُ الثَّانِي: الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ وَهُوَ الصُّلْحُ الْوَاقِعُ عَلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ وَهُوَ الصُّلْحُ الْوَاقِعُ عَلَى سُكُوتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يُقِرَّ وَلَا يُنْكِرَ) . الصُّلْحُ يُقَسَّمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ بِاعْتِبَارِ الْجَوَابِ الَّذِي يُجِيبُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ عَقْدِ الصُّلْحِ. لِأَنَّ الْخَصْمَ فِي وَقْتِ الدَّعْوَى إمَّا أَنْ يَسْكُتَ، أَوْ أَنْ يَتَكَلَّمَ مُجِيبًا، وَهَذَا التَّكَلُّمُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا، أَوْ إثْبَاتًا، وَلِذَلِكَ فَالْإِثْبَاتُ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَالنَّفْيُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَالسُّكُوتُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ. وَيَخْرُجُ بِعِبَارَةِ " أَنْ يَتَكَلَّمَ مُجِيبًا " التَّكَلُّمُ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالدَّعْوَى (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ وَهُوَ الصُّلْحُ الْوَاقِعُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَطْلُوبِ الْمُدَّعِي سَوَاءٌ كَانَ إقْرَارُهُ صَرَاحَةً وَحَقِيقَةً، أَوْ كَانَ إقْرَارُهُ حُكْمًا. أَمَّا الْإِقْرَارُ صَرَاحَةً فَظَاهِرٌ، وَالْمِثَالُ عَلَى الْإِقْرَارِ حُكْمًا هُوَ طَلَبُ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَالِ، أَوْ الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (الـ ١٥٨٢) (عَبْدُ الْحَلِيمِ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ: إنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارِي، أَوْ أَدِّ لِي عَيْنَ وَدِيعَتِي، أَوْ بَدَلَ وَدِيعَتِي الَّتِي اسْتَهْلَكْتهَا، وَتَصَالَحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ الْمُدَّعِي بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الدَّارَ، أَوْ الْوَدِيعَةَ هِيَ مِلْكُ الْمُدَّعِي لَوْ أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِ وَدِيعَتِهِ فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ.