للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبْصَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَكَمَ يَكُونُ حُكْمُهُ نَافِذًا أَيْ أَنَّهُ بِطُرُوءِ الْعَمَى أَوْ الصَّمَمِ عَلَى الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بَلْ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَلِذَلِكَ فَحُكْمُهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَمَى صَحِيحٌ. أَمَّا الْعَدَالَةُ وَعَدَمُ الْفِسْقِ فَلَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ قَالَ أَكْثَرُ عُظَمَاءِ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بِجَوَازِ قَضَاءِ الْفَاسِقِ وَلِذَلِكَ فَحُكْمُ الْقَاضِي الْفَاسِقِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْحَدَّ الشَّرْعِيَّ يَكُونُ نَافِذًا، أَمَّا بَعْضُ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ كَالْخَصَّافِ وَالْكَرْخِيِّ وَالطَّحْطَاوِيِّ فَقَدْ قَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ أَهْلِيَّةِ الْقَاضِي الْفَاسِقِ الْمُرْتَشِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ الْقَاضِي الْفَاسِقُ بِفِسْقِهِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إذَا نُصِّبَ قَاضٍ فَاسِقٌ أَوْ مُرْتَشٍ وَحَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ فَحُكْمُهُ غَيْرُ جَائِزٍ (الْخَانِيَّةُ) .

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامَانِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ إذَا وَلِيَ الْقَضَاءَ فَاسِقٌ لَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ، كَمَا أَنَّهُ إذَا صَارَ فَاسِقًا أَوْ مُرْتَشِيًا بَعْدَ تَوْلِيَتِهِ فَيَنْعَزِلُ عَنْ الْقَضَاءِ (الْخَانِيَّةُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ والولوالجية) . إنَّ بَعْضَ أَفَاضِلِ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ كَمَالٍ وَابْنِ مَلَكٍ وَالْعَيْنِيِّ قَالُوا: إنَّ الْفَتْوَى لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، عَلَى قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ رَدِّ الْمُحْتَارِ قَالَ بِأَنَّهُ إذَا أَفْتَى بِذَلِكَ، وَاعْتَمَدَ هَذَا الْقَوْلَ، لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَنِ وَجَبَ انْسِدَادُ بَابِ الْقَضَاءِ فَهُوَ يَقْصِدُ أَنَّ إيجَادَ قَاضٍ غَيْرُ فَاسِقٍ مُشْكِلٌ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ الْكَامِلَ الْمُسْتَقِيمَ نَادِرٌ. إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا قَالُوا: إنَّ عَدَمَ الْفِسْقِ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الْقَضَاءِ فَعَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَاضِي حِينَ تَوْلِيَتِهِ عَادِلًا ثُمَّ فَسَقَ يَسْتَوْجِبُ الْعَزْلَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بَعْدَ الْفِسْقِ، وَأَصَابَ فِي حُكْمِهِ جَازَ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْقَاضِي مُرْتَزِقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ لَا.

وَوَالِي الْوِلَايَةِ هُوَ كَالْقَاضِي فَإِذَا فَسَقَ اسْتَوْجَبَ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يُعْزَلْ مِنْ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَغَيْرُ مُنَزَّهٍ عَنْهَا (الْوَلْوَالِجِيَّةِ وَالْخَانِيَّةُ) .

أَمَّا إذَا شُرِطَ حِينَ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي أَنَّهُ يُصْبِحُ مُنْعَزِلًا عَنْ الْقَضَاءِ إذَا جَارَ فَيُعْزَلُ فِي حَالَةِ الْجَوْرِ الشِّبْلِيُّ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٨٣) وَيُفْهَمُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْآنِفَةِ أَنَّ عَدَالَةَ الْقَاضِي حَسَبَ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ شَرْطُ أَوْلَوِيَّةٍ، وَلَيْسَتْ شَرْطَ صِحَّةٍ، وَمَعَ هَذَا فَاللَّائِقُ عَدَمُ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ لِفَاسِقٍ (الزَّيْلَعِيّ) .

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي بَيَانِ آدَابِ الْقَاضِي]

[ (الْمَادَّةُ ١٧٩٥) يَجْتَنِبُ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ الْأَفْعَالَ وَالْأَوْضَاعَ الَّتِي تُزِيلُ مَهَابَةَ الْمَجْلِسِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُلَاطَفَة]

الْفَصْلُ الثَّانِي فِي بَيَانِ آدَابِ الْقَاضِي الْآدَابُ جَمْعُ أَدَبٍ وَالْأَدْبُ فِي الْأَصْلِ بِسُكُونِ الدَّالِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَدْبِ وَهُوَ بِمَعْنَى دَعْوَةِ النَّاسِ لِلطَّعَامِ (الْفَتْحُ) . وَبِمَا أَنَّ الْخِصَالَ الْجَمِيلَةَ تَدْعُو الْإِنْسَانَ لِعَمَلِ الْخَيْرِ فَقَدْ قِيلَ عَنْهَا آدَابُ وَالْآدَابُ عِبَارَةٌ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>