خِلَافِ الْمُتَوَاتِرِ.
؛ لِأَنَّ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ عِلْمَ الْيَقِينِ فَالْبَيِّنَةُ الَّتِي تُقَامُ عَلَى خِلَافِهِ تَسْتَوْجِبُ رَدَّ الشَّيْءِ الثَّابِتِ بِالضَّرُورَةِ وَالْيَقِينِ وَبِمَا أَنَّ الضَّرُورِيَّاتِ الْيَقِينِيَّاتِ لَا تُرَدُّ وَلَا تَقْبَلُ الشَّكَّ فَتَكُونُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ كَذِبًا مَحْضًا كَالْبَيِّنَةِ الَّتِي تُقَامُ عَلَى خِلَافِ الْمَحْسُوسِ (الْفَيْضِيَّةُ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَنِدُ إلَى التَّوَاتُرِ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ كَانَ التَّوَاتُرُ مُثْبَتًا أَوْ مَنْفِيًّا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْأَمْوَالِ أَوْ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ أَوْ كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا تُقَامُ عَلَى خِلَافِهِ بَيِّنَةٌ عَادِيَّةٌ أَوْ بَيِّنَةُ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ التَّوَاتُرَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ وَكَمَا أَنَّهُ مِنْ الْمُمْتَنِعِ وُقُوعُ الْمُتَنَاقِضَيْنِ فِي الْخَارِجِ فَلَا يَقَعُ فِي الْحِجَجِ الْقَطْعِيَّةِ تَنَاقُضٌ فَلِذَلِكَ يَسْتَحِيلُ تَوَاتُرُ النَّقِيضَيْنِ. مَثَلًا؛ إذَا ثَبَتَ تَوَاتُرًا أَنَّ زَيْدًا كَانَ فِي أَوَّلِ أُسْبُوعٍ مِنْ عِيدِ الْأَضْحَى فِي دِمِشْقَ فَيَجْزِمُ الْعَقْلُ وَالْحُكْمُ بِأَنَّ زَيْدًا الْمَذْكُورَ كَانَ مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ كَالْجَزْمِ فِيمَا لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ فَإِذَا أُقِيمَتْ بَيِّنَةُ التَّوَاتُرِ بِأَنَّ زَيْدًا كَانَ فِي بَغْدَادَ الْبَعِيدَةَ مُدَّةَ السَّفَرِ الْبَعِيدِ فَلَا تُعَدُّ بَيِّنَةُ تَوَاتُرٍ وَلَوْ كَانَ عَدَدُهَا أَزْيَدَ مِنْ عَدَدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ إذَا جَزَمَ بِمُقْتَضَى التَّوَاتُرِ الْأَوَّلِ فَلَا يُفِيدُ الشَّيْءُ الَّذِي سُمِّيَ تَوَاتُرًا ثَانِيًا عِلْمًا قَطْعِيًّا بَلْ لَا يُفِيدُ الظَّنُّ.
مَثَلًا لَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ تَوَاتُرًا عَلَى حَرْقِ دَارٍ مُشَاهَدٍ وُجُودَهَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَوَاتُرًا بَلْ يَكُونُ كَذِبًا مَحْضًا فَلِذَلِكَ لَا تُقَامُ بَيِّنَةُ التَّوَاتُرِ مَرَّةً أُخْرَى لَا مِنْ الْمُدَّعِي وَلَا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الْإِزْمِيرِيُّ وَالْبَهْجَةُ فِي فَصْلٍ فِي الشُّهْرَةِ وَالتَّوَاتُرِ وَالْمَجْمُوعَةُ الْجَدِيدَةُ بِإِيضَاحٍ) .
فَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا بَيَّنَ الطَّرَفَانِ بِأَنَّهُمَا سَيُثْبِتَانِ دَعْوَاهُمَا بِبَيِّنَةِ التَّوَاتُرِ فَلَا تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا تَوْفِيقًا لِلْمَسَائِلِ الَّتِي تُرَجِّحُ فِيهَا الْبَيِّنَةُ الْعَادِيَّةُ بُطْلَانَ الْبَيِّنَةِ مِنْ الطَّرَفِ الرَّاجِحِ. فَلِذَلِكَ إذَا اسْتَنَدَ الطَّرَفَانِ عَلَى بَيِّنَةِ التَّوَاتُرِ وَأَحْضَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا جَمَاعَةً فَالْقَاضِي يُمْعِنُ النَّظَرَ فَيَقْبَلُ خَبَرَ جَمَاعَةِ الطَّرَفِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ جَامِعٌ شُرُوطَ التَّوَاتُرِ وَمُوجِبٌ لِاطْمِئْنَانِهِ؛ لِأَنَّ التَّوَاتُرَ لَمَّا كَانَ خَبَرًا صِدْقًا وَيَحْصُلُ بِهِ عِلْمُ الْيَقِينِ فَتَكُونُ حُجَّةُ الطَّرَفِ الْآخَرِ كَذِبًا مَحْضًا وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَجْتَمِعَ شُرُوطُ التَّوَاتُرِ فِي الْبَيِّنَتَيْنِ وَأَنْ يَطْمَئِنَّ الْقَاضِي بِهِمَا وَإِذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ الَّتِي أَحْضَرَهَا كِلَا الطَّرَفَيْنِ غَيْرَ جَامِعَةٍ شُرُوطَ التَّوَاتُرِ تَكُونُ فِي حُكْمِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِيَّةِ وَالْقَاضِي يُزَكِّي شُهُودَ الطَّرَفِ الرَّاجِحِ تَوْفِيقًا لِمَسَائِلِ تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ وَيُحْكَمُ أَيْ يُجْرِي الْمُعَامَلَةَ حَسْبَ الْمَادَّةِ (١٧٦٩) .
[ (الْمَادَّةُ ١٦٩٩) إنَّمَا جُعِلَتْ الْبَيِّنَةُ مَشْرُوعَةً لِإِظْهَارِ الْحَقِّ]
الْمَادَّةُ (١٦٩٩) - (إنَّمَا جُعِلَتْ الْبَيِّنَةُ مَشْرُوعَةً لِإِظْهَارِ الْحَقِّ فَعَلَيْهِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالنَّفْيِ الصِّرْفِ كَقَوْلِ الشَّاهِدِ: فُلَانٌ مَا فَعَلَ هَذَا الْأَمْرَ وَالشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ لَيْسَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٌ لَيْسَ بِمَدِينٍ لِفُلَانٍ وَلَكِنَّ بَيِّنَةَ النَّفْيِ الْمُتَوَاتِرِ مَقْبُولَةٌ. مَثَلًا لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ بِأَنِّي أَقْرَضْت فُلَانًا فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ كَذَا مِقْدَارًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَأَثْبَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بَلْ كَانَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ التَّوَاتُرِ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي) .
إنَّمَا جُعِلَتْ الْبَيِّنَةُ مَشْرُوعَةً لِإِظْهَارِ الْحَقِّ وَإِثْبَاتِهِ وَلَمْ تُشْرَعْ لِنَفْيِ الْحَقِّ (الْفَيْضِيَّةُ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute