للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفُقَهَاءِ اسْتِدْلَالًا لِذَلِكَ بِأَنَّ إيجَابَ الْهِبَةِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُزَاحِ كَانَ جَائِزًا. وَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ بِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الْوَاقِعَيْنِ بِطَرِيقِ الْمُزَاحِ. وَالْمُزَاحُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا أَنَّهُ فِي طَلَبِ الْهِبَةِ وَلَيْسَ فِي الْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ فَلَا مَحِلَّ لِلِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى انْعِقَادِ الْهِبَةِ بِالْمُزَاحِ (الْحَمَوِيُّ، أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ؛ الطَّحْطَاوِيُّ) وَقَدْ بُيِّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١٦٩) أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْجَدُّ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْهَزْلِ.

[ (الْمَادَّةُ ٨٣٩) تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالتَّعَاطِي]

(الْمَادَّةُ ٨٣٩) :

تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا.

كَمَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ تَنْعَقِدُ أَيْضًا بِالتَّعَاطِي أَيْ بِإِعْطَاءِ الْوَاهِبِ وَقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَتَتِمُّ يَعْنِي تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالتَّعَاطِي الْوَاقِعِ مَعَ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّمْلِيكِ مَجَّانًا وَتَكُونُ تَامَّةً وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَحْصُلُ فَرْقٌ حُكْمِيٌّ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الْقَوْلِيَّيْنِ وَبَيْنَ التَّعَاطِي. فَتَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الْقَوْلِيَّيْنِ فَقَطْ أَمَّا بِالتَّعَاطِي فَتَنْعَقِدُ وَتَتِمُّ مَعًا. وَقَدْ جَاءَتْ الْمَجَلَّةُ بِالْمَادَّةِ (٨٤١) لِإِفَادَةِ هَذَا الْحُكْمِ وَعَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ قَالَتْ الْمَجَلَّةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ (تَنْعَقِدُ وَتَتِمُّ) فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مِنْ حَاجَةٍ إلَى الْمَادَّةِ (٨٤١) .

مَثَلًا لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ فَقِيرًا نُقُودًا وَأَخَذَهَا الْفَقِيرُ دُونَ أَنْ يَفُوهَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِشَيْءٍ تَنْعَقِدُ هِبَةً خُصُوصِيَّةً أَيْ صَدَقَةً (الْقُهُسْتَانِيُّ) .

قَدْ اُشْتُرِطَ لِانْعِقَادِ الْهِبَةِ بِالتَّعَاطِي وُجُودُ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى التَّمْلِيكِ عَلَى مَا هُوَ مُوَضَّحٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ.

وَعَلَيْهِ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ ابْنَهُ مَالًا وَتَصَرَّفَ الِابْنُ فِي الْمَالِ فَيَبْقَى الْمَادَّةُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَيْضًا. إلَّا إذَا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَلَّكَ ابْنَهُ ذَلِكَ الْمَالَ.

مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِابْنِهِ: تَصَرَّفْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ وَتَصَرَّفَ الْآخَرُ مُدَّةً فِيهِ فَلَا يَكُونُ الِابْنُ الْمَذْكُورُ مَالِكًا لَهَا كَذَلِكَ لَوْ أَنَامَ أَحَدٌ ابْنَهُ عَلَى فِرَاشِهِ الْمَمْلُوكِ فَلَا يُصْبِحُ ذَلِكَ الْفِرَاشُ لِلِابْنِ مَا لَمْ يُمَلِّكْهُ " الْهِنْدِيَّةُ ".

[ (الْمَادَّةُ ٨٤٠) الْإِرْسَالُ وَالْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ]

(الْمَادَّةُ ٨٤٠) :

الْإِرْسَالُ وَالْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَفْظًا.

الْإِرْسَالُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ مِنْ طَرَفٍ وَالْقَبْضُ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَفْظًا مَعَ الْقَبْضِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ تَنْعَقِدُ بِهِمَا الْهِبَةُ وَتَتِمُّ. وَهَذَا الْقَبْضُ بِمَا أَنَّهُ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمَادَّةِ (٨٤١) الْآتِيَةِ تَتِمُّ بِهِ الْهِبَةُ يَعْنِي أَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ. وَهَذِهِ الْمَادَّةُ تُبَيِّنُ انْعِقَادَ الْهِبَةِ بِالتَّعَاطِي، وَالتَّعَاطِي فِي الْهِبَةِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِعْطَاءِ مِنْ طَرَفِ الْوَاهِبِ وَالْقَبْضِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.

وَبِمَا أَنَّ الْإِرْسَالَ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ وَالْقَبْضَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَيَفْتَرِقُ عَنْ التَّعَاطِي الْوَاقِعِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ اسْتِدْرَاكًا لِلْمَادَّةِ الْآنِفَةِ يَعْنِي أَنَّ الْهِبَةَ الْوَاقِعَةَ عَلَى وَجْهِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَإِنْ انْعَقَدَتْ بِالتَّعَاطِي

<<  <  ج: ص:  >  >>