وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ التَّعْبِيرَاتِ أَنَّ عَدَمَ الرِّضَا مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ إلَّا أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُفْسِدُ أَصْلَ الِاخْتِيَارِ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ كَالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَلَا يُفْسِدُهُ فِي بَعْضِهَا كَالْإِكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ (الدُّرَرُ وَالزَّيْلَعِيّ) .
وَالْإِكْرَاهُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ يُعْدِمُ الرِّضَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ يَعْنِي: أَنَّ فِي هَذَا الْإِكْرَاهِ إكْرَاهًا لِلْمُكْرَهِ وَعَدَمِ رِضَائِهِ مَعَ وُجُودِ اخْتِيَارِهِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الِاخْتِيَارِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْإِكْرَاهِ بِإِتْلَافِ النَّفْسِ أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ فَالْإِكْرَاهُ الَّذِي يَكُونُ بِقَتْلِ النَّفْسِ أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ مُعْدِمٌ لِلرِّضَا وَمُفْسِدٌ لِلِاخْتِيَارِ أَيْضًا (أَبُو السُّعُودِ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) ٤ - الْإِخَافَةُ: بِمَا أَنَّ الْإِخَافَةَ قَدْ ذُكِرَتْ مُطَلَّقَةً فَكَمَا أَنَّهَا تَشْمَلُ الْإِخَافَةَ الَّتِي تَحْدُثُ بِالْفِعْلِ تَشْمَلُ الْإِخَافَةَ الَّتِي بِالْقَوْلِ كَالْوَعِيدِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
٥ - الْإِجْبَارُ: كَمَا يَكُونُ الْإِجْبَارُ حَقِيقِيًّا يَكُونُ حُكْمِيًّا فَلَوْ أَمَرَ أَحَدٌ آخَرَ بِإِتْلَافِ مَالِ أَحَدٍ وَلَمْ يُهَدِّدْهُ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ عَلِمَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَنَّهُ سَيَقْتُلُهُ فَلَهُ أَنْ يُتْلِفَ ذَلِكَ الْمَالَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إكْرَاهٌ حُكْمِيٌّ
[ (مَادَّةُ ٩٤٩) الْإِكْرَاهُ عَلَى قِسْمَيْنِ]
الْأَوَّلُ هُوَ الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ الَّذِي يَكُونُ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ الْمُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ النَّفْسِ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ وَالثَّانِي هُوَ الْإِكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ الَّذِي يُوجِبُ الْغَمَّ وَالْأَلَمَ فَقَطْ كَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ غَيْرِ الْمُبَرِّحِ وَالْمَدِيدِ الْإِكْرَاهُ قِسْمَانِ: وَكِلَاهُمَا سَالِبُ رِضَا الْمُكْرَهِ كَمَا فُهِمَ مِنْ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ.
وَوَجْهُ الِانْحِصَارِ هُوَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا إفْسَادَ اخْتِيَارِ الْمُكْرَهِ وَمُلْجِئًا إيَّاهُ أَوْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ.
فَإِذَا أَوْجَبَ إفْسَادَ اخْتِيَارِهِ أَوْ أَلْجَأَهُ كَانَ إكْرَاهًا مُلْجِئًا وَإِذَا لَمْ يُفْسِدْ اخْتِيَارَهُ وَلَمْ يُلْجِئْهُ كَانَ غَيْرَ مُلْجِئٍ فَفَوْتُ الرِّضَا أَعَمُّ مِنْ فَسَادِ الِاخْتِيَارِ فَفِي الْحَبْسِ أَوْ الضَّرْبِ يَفُوتُ الرِّضَا وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ الصَّحِيحَ بَاقٍ وَفِي الْقَتْلِ لَا رِضَا وَلَكِنْ لَهُ اخْتِيَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْ: اخْتِيَارٌ فَاسِدٌ.
(الطَّحْطَاوِيُّ) .
فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ إكْرَاهٌ مُلْجِئٌ: الْمُلْجِئُ بِكَسْرِ الْجِيمِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَلْجَأَ إلَى كَذَا اضْطَرَّهُ إلَيْهِ فَهُوَ الْمُوجِبُ لِلِاضْطِرَارِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ الَّذِي يَكُونُ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ الْمُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ النَّفْسِ أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَاللِّسَانِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ نَحْوَ الْأَصَابِعِ وَالْأَعْضَاءِ وَيُقَالُ لِهَذَا الْإِكْرَاهِ: الْإِكْرَاهُ التَّامُّ وَهَذَا الْإِكْرَاهُ مُعْدِمٌ لِلرِّضَا مُفْسِدٌ لِلِاخْتِيَارِ (الْأَنْقِرْوِيُّ، الدُّرَرُ) ؛ إذْ الْإِنْسَانُ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ وَذَلِكَ يُضْطَرُّ إلَى ارْتِكَابِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مُحَافَظَةً عَلَيْهَا فَيَفْسُدُ اخْتِيَارُهُ (الْجَوْهَرَةُ) .
الْعُضْوُ، يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِهِ مُطْلَقًا أَنَّ الْعُضْوَ يَشْمَلُ الْأُنْمُلَةَ أَيْ: طَرَفَ الْأُصْبُعِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى يَشْمَلُ بَعْضَ الْعُضْوِ كَالْمَحَلِّ الَّذِي تُوجَدُ فِيهِ الْأَظَافِرُ مِنْ الْأُصْبُعِ أَيْضًا.
وَعَلَيْهِ فَالْإِكْرَاهُ الَّذِي يَقَعُ بِالتَّهْدِيدِ بِقَطْعِ ذَلِكَ يَكُونُ إكْرَاهًا مُلْجِئًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ، وَالنَّتِيجَةُ) وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَقُولُ إذَا هُدِّدَ بِالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ وَكَانَ الرَّجُلُ ذَا مُرُوءَةٍ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ يَمُوتُ بِسَبَبِ الْحَبْسِ وَالْقَيْدِ أَوْ يَذْهَبُ عُضْوٌ مِنْهُ فَهُوَ إكْرَاهٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا كَمَا أَنَّهُ لَوْ تَوَعَّدَهُ بِالْحَبْسِ فِي مَكَان مُظْلِمٍ بِحَيْثُ يَخَافُ ذَهَابَ الْبَصَرِ لِطُولِ مُقَامِهِ فِيهِ فَهُوَ إكْرَاهٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا (عَبْدُ الْحَلِيمِ) قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَمَّا الْحَبْسُ الَّذِي أَحْدَثُوهُ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ مِنْ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَإِنْ قَالَ لَأُجَوِّعَنَّكَ أَوْ لَتَفْعَلَنَّ بَعْضَ مَا ذُكِرَ، لَمْ يَسْعَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يَجِيءَ