الْوَجْهِ الْآتِي: إذَا ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ لِلْمَرْهُونِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ تَلِفَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَالْمُسْتَحِقُّ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ بَدَلَ الْمَرْهُونِ لِلرَّاهِنِ بِصِفَةِ أَنَّ الرَّاهِنَ غَاصِبٌ لِلْمَرْهُونِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَحِقُّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَا ضَمِنَهُ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الرَّاهِنِ كَمَا سَتُذْكَرُ لَاحِقَةٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٤١) ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِكَوْنِ الرَّاهِنِ بِضَمَانَةِ الْمَرْهُونِ يَكُونُ مَالِكًا اسْتِنَادًا لِمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَهُ فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ قَدْ اسْتَوْفَى مَطْلُوبَهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ (بَزَّازِيَّةٌ فِي الثُّلُثِ وَهِنْدِيَّةٌ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ) وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إذْ ذَاكَ غَاصِبَ الْغَاصِبِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٩١٠) وَيُمْكِنُ بَعْدَ التَّضْمِينِ الرُّجُوعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالشَّيْءِ الَّذِي ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ بِرَهْنِهِ وَتَسْلِيمِهِ مَالَ الْغَيْرِ يَكُونُ غَرَّرَ الْمُرْتَهِنَ وَهَذَا يَكُونُ بِالْقَبْضِ عَامِلًا لِلرَّاهِنِ (بَزَّازِيَّةٌ) ، اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٦٥٨) وَعَدَا عَنْ ذَلِكَ عِنْدَمَا يُضَمِّنُ الْمُرْتَهِنَ حَيْثُ إنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ بِأَخْذِ الْمُرْتَهِنِ مَالَهُ أَيْضًا مِنْ الرَّاهِنِ (خَانِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ انْتَقَضَ وَعَادَ حَقُّهُ كَمَا كَانَ.
الْقَاعِدَةُ هِيَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ لِمَنْ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي تَضْمِينِ الْمُسْتَحِقِّ لِلرَّاهِنِ وَبِنَاءً عَلَى هَذَا حَيْثُ إنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَعْدَ أَنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالشَّيْءِ الَّذِي ضَمِنَهُ تَقَرَّرَ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَبِهَذِهِ الصُّورَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَ مِلْكَهُ.
سُؤَالٌ - إنَّهُ لَمَّا رَهَنَ الرَّاهِنُ مِلْكَهُ وَتَلِفَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ لَزِمَ سُقُوطُ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ الْقِيمَةِ كَانَ يَجِبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة أَيْضًا أَنْ يَسْقُطَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. الْجَوَابُ - عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - السَّبَبُ فِي رُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ هُوَ الْغَرُورُ وَيَحْصُلُ بِتَسْلِيمِ الْمَرْهُونِ لِلْمُرْتَهِنِ فَبِنَاءً عَلَيْهِ لَمَّا ضَمِنَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ بِنَاءً عَلَى مُرَاجَعَةِ الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ قَدْ مَلَكَ الْمَرْهُونَ اعْتِبَارًا مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَحَيْثُ إنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ سَابِقٌ لِوَقْتِ التَّسْلِيمِ زَمَانًا أَيْ أَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْهُ فَيَكُونُ الرَّاهِنُ كَأَنَّهُ رَهَنَ مَالَ غَيْرِهِ لَا مَالَهُ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ اسْتَوْفَى مَالَهُ بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ بِمَالِ الْغَيْرِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي - وَالْمُرْتَهِنُ بِضَمَانَةِ الْمَرْهُونِ لِلْمُسْتَحِقِّ يَكُونُ مَلَكَهُ كَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ اشْتَرَى الْمَرْهُونَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ وَبَاعَهُ لِلرَّاهِنِ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ تَكُونُ مِلْكِيَّةُ الرَّاهِنِ لِلْمَرْهُونِ مُتَأَخِّرَةً عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ رَهَنَ مِلْكَهُ وَقْتَ الرَّهْنِ، وَلَكِنَّ مَسْأَلَةَ تَضْمِينِ الْمُسْتَحِقِّ لِلرَّاهِنِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ حَيْثُ إنَّ الرَّاهِنَ كَانَ سَابِقًا لِعَقْدِ الرَّهْنِ وَضَامِنًا بِالْقَبْضِ الَّذِي تَقَدَّمَهُ اسْتَنَدَ الْمِلْكُ لِلْقَبْضِ الْمَذْكُورِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
[فِي تَقْسِيمَاتِ وَتَعْرِيفَاتِ الرَّهْنِ]
يَنْقَسِمُ الرَّهْنُ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ - الرَّهْنُ الصَّحِيحُ وَهُوَ الرَّهْنُ الْمَشْرُوعُ ذَاتًا وَوَصْفًا كَالْبَيْعِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١٠٨) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute