[ (الْمَادَّةُ ١٧٣٣) التَّوَاتُرُ يُفِيدُ عِلْمَ الْيَقِينِ]
الْمَادَّةُ (١٧٣٣) - (التَّوَاتُرُ يُفِيدُ عِلْمَ الْيَقِينِ بِنَاءً عَلَيْهِ لَا تُقَامُ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِ التَّوَاتُرِ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا) .
التَّوَاتُرُ يُفِيدُ عِلْمَ الْيَقِينِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ عَقْلًا أَنْ يَتَّفِقَ جَمْعٌ غَيْرُ مَحْصُورٍ مُتَبَايِنٌ فِي الرَّأْيِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْوَطَنِ عَلَى شَيْءٍ مَحْسُوسٍ مِنْ الْمُخْتَرَعَاتِ وَغَيْرِ ثَابِتٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَعْنِي أَنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ قَطْعًا أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ غَيْرَ الْمَحْصُورِ لَا يَتَّفِقُ عَلَى الْكَذِبِ وَأَنَّ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ هُوَ صِدْقٌ وَلَا مَجَالَ لِلْعِنَادِ فِي الْيَقِينَاتِ وَلَا احْتِمَالَ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْيَقِينِ (الْكُلِّيَّاتُ وَالتَّلْوِيحُ) .
سُؤَالٌ: قَدْ رُوِيَ تَوَاتُرًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: تَمَسَّكُوا بِالسَّبْتِ مَا دَامَتْ الْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ وَالْمَقْصِدُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ بَقَاءُ الدِّينِ الْيَهُودِيِّ وَبِمَا أَنَّهُ نَبِيٌّ بِالِاتِّفَاقِ فَيَجِبُ الِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِ هَذَا؟ الْجَوَابُ: لَا يُسَلَّمُ نَقْلُ دَوَامِ السَّبْتِ تَوَاتُرًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ (بُخْتَنَصَّرَ) قَدْ قَتَلَ الْيَهُودَ قَتْلًا عَامًّا وَاَلَّذِي خَلَصَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ إلَّا عَدَدًا قَلِيلًا فَلَمْ يَكُنْ النَّاقِلُونَ فِي بَعْضِ الطَّبَقَاتِ بَالِغِينَ حَدَّ التَّوَاتُرِ وَقَدْ اشْتَهَرَ أَنَّ ابْنَ الرَّاوَنْدِيِّ هُوَ الَّذِي افْتَرَى هَذِهِ الْأُكْذُوبَةَ عَلَى النَّبِيِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ (شَرْحُ الْمَوَاقِفِ) .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَوَاتِرَاتِ هِيَ يَقِينِيَّاتٌ، وَالْيَقِينِيَّاتُ هِيَ سِتَّةٌ: الْأَوَّلُ: الْأَوَّلِيَّاتُ وَيُقَالُ لَهَا الْبَدِيهِيَّاتُ كَالْقَوْلِ: إنَّ الْكُلَّ أَعْظَمُ مِنْ الْجُزْءِ.
الثَّانِي: الْمُشَاهَدَاتُ الْبَاطِنِيَّةُ وَهَذِهِ الْمُشَاهَدَاتُ غَيْرُ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْعَقْلِ كَجَوْعِ الْإِنْسَانِ وَعَطَشِهِ وَأَلَمِهِ فَإِنَّ الْبَهَائِمَ تُدْرِكُهَا أَيْضًا.
الثَّالِثُ: الْمُجَرَّبَاتُ كَكَوْنِ الْخَمْرِ مُسْكِرًا وَالْمُسَهِّلَاتُ مُسَهِّلَةٌ.
الرَّابِعُ: الْمُتَوَاتِرَاتُ كَعِلْمِ مَنْ لَمْ يَرَ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ وَبَغْدَادَ بِوُجُودِ تَيْنِكَ الْمَدِينَتَيْنِ.
الْخَامِسُ: الْحَدْسِيَّاتُ كَقَضِيَّةِ أَنَّ نُورَ الْقَمَرِ مُسْتَفَادٌ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ.
السَّادِسُ: الْمَحْسُوسَاتُ وَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِالْحِسِّ الظَّاهِرِ وَالْمُشَاهَدَةِ كَكَوْنِ النَّارِ حَارَّةً وَالشَّمْسِ مُضِيئَةً. وَهَذِهِ هِيَ الْيَقِينَاتُ الَّتِي يَتَأَلَّفُ الْبُرْهَانُ مِنْهَا.
بِنَاءً عَلَيْهِ لَا تُقَامُ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِ التَّوَاتُرِ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا أَيْ فِي الْمَادَّةِ (١٦٩٨) وَإِذَا أُقِيمَتْ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُبِلَتْ يَجِبُ تَكْذِيبُ الشَّيْءِ الثَّابِتِ ضَرُورَةً وَلَا يَدْخُلُ الشَّكُّ فِي الضَّرُورِيَّاتِ وَلَا يُحْتَمَلُ الزَّوَالُ فِيهَا فَلَا تُقَامُ بَيِّنَةٌ عَلَى وَفَاةِ شَخْصٍ مَعْلُومٍ وُجُودُهُ فِي الْحَيَاةِ.
كَذَلِكَ أَنَّ وُجُودَ بَغْدَادَ مَعْلُومٌ تَوَاتُرًا لِمَنْ لَمْ يَرَهَا فَلَوْ ظَهَرَ أَحَدٌ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لِمَدِينَةِ بَغْدَادَ فَكَمَا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ الْعَادِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ بَيِّنَةُ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ تَوَاتُرًا بَلْ هُوَ كَذِبٌ مَحْضٌ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (١٦٩٨) وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيِّنَةَ التَّوَاتُرِ تُرَجَّحُ فِي كُلِّ حَالٍ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْعَادِيَّةِ أَمَّا إذَا لَمْ يُقِمْ أَحَدُ