مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَبِمَا أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ وَصِيَّةِ غَيْرِ الْمَدْيُونِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ كَانَ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَرَثَةٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ صَحِيحَةً (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ فِي الْفَرَائِضِ) .
كَمَا أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ وَصِيَّةِ الْمَدْيُونِ الْمُسْتَغْرِقَةِ تَرِكَتُهُ بِالدُّيُونِ هِيَ لِأَجْلِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ غُرَمَاءُ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً.
وَبَعْدَ وَفَاتِهِ لَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ الْمُدَاخَلَةُ فِي تَرِكَتِهِ أَوْ أَخْذُ أَيِّ مِقْدَارٍ مِنْ الْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمُسْتَحَقُّونَ لِلتَّرِكَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ عَشْرَةُ أَصْنَافٍ. وَإِنْ كَانَ عَاشِرُهَا بَيْتَ الْمَالِ فَوَضْعُ مَالِ الْمُتَوَفَّى فِي بَيْتِ الْمَالِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَإِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ وَارِثٌ خَاصٌّ وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفَقِيرٍ مُعَيَّنٍ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ بِمَا أَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِلْوَارِثِ فَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ يَعْنِي يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أَيْ إجَازَةِ سَائِرِ الْفُقَرَاءِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي الْفَرَائِضِ) .
قِيلَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ إذَا وَهَبَ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ لِأَحَدٍ وَتُوُفِّيَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا حُكْمَ لِلْهِبَةِ. وَإِنْ تَكُنْ الْهِبَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةً وَتُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ وَلَا يَلْزَمُ فِي الْوَصِيَّةِ الْقَبْضُ إلَّا أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ حَقِيقَةً هِبَةً فَتَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ حَسَبَ مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (٨٣٧) (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ٨٥٥) .
[ (الْمَادَّةُ ٨٧٨) لَيْسَ لَهُ وَارِث غَيْر زَوْجَته وَوَهَبَ جَمِيع أَمْوَاله فِي مَرَض مَوْته لَهَا وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا]
(الْمَادَّةُ ٨٧٨) - (إذَا وَهَبَ الزَّوْجُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ زَوْجَتِهِ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِزَوْجَتِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا أَوْ وَهَبَتْ الزَّوْجَةُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا وَارِثٌ غَيْرُ زَوْجِهَا جَمِيعَ أَمْوَالِهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إلَى زَوْجِهَا وَسَلَّمَتْهُ إيَّاهُ كَانَ صَحِيحًا وَبَعْدَ الْوَفَاةِ لَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ الْمُدَاخَلَةُ فِي تَرِكَةِ أَحَدِهِمَا أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا لِلْوَارِثِ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ الْمُزَاحِمِ) (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى فِي الْفَرَائِضِ) .
وَحُكْمُ هَذِهِ الْمَادَّةِ قَدْ خُصِّصَ بِالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ غَيْرَ هَذَيْنِ مِنْ الْوَارِثِينَ يَرِثُونَ التَّرِكَةَ كُلَّهَا فَرْضًا وَرَدًّا فَلَا حَاجَةَ لِلْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ إلَيْهِ مَا (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى فِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ) يَعْنِي يَحْتَاجُ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لِإِحْرَازِ مَالِ الْآخَرِ إلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ أَخَذَا حِصَّتَهُمَا الْإِرْثِيَّةَ فَبِمَا أَنَّهُمَا لَيْسَا مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِمَا فَلَا يَأْخُذَانِ حِصَّةً رَدًّا بِخِلَافِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُمْ يُحْرِزُونَ جَمِيعَ أَمْوَالِ الْمُتَوَفَّى فَرْضًا وَرَدًّا فَلَا فَائِدَةَ لِلْإِيصَاءِ إلَيْهِمْ.
مَثَلًا لَوْ تُوُفِّيَ أَحَدٌ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَى زَوْجَتِهِ فَتَرِثُ زَوْجَتُهُ رُبْعَ مَالِهِ وَتَبْقَى ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ لِبَيْتِ الْمَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ لِزَوْجَتِهِ وَسَلَّمَهَا إيَّاهَا فَتَبْقَى لَهَا لَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ الْمُدَاخَلَةُ فِيهَا.
لَكِنْ لَوْ تُوُفِّيَ أَحَدٌ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ ابْنَةٍ لَهُ فَكَمَا تَأْخُذُ ابْنَتُهُ نِصْفَ تَرِكَتِهِ فَرْضًا تَأْخُذُ النِّصْفَ الْآخَرَ رَدًّا وَتُحَرَّزُ التَّرِكَةُ جَمِيعُهَا. وَإِذَا وَهَبَ أَحَدٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ لِابْنَتِهِ وَسَلَّمَهَا إيَّاهَا وَإِنْ كَانَتْ هِبَةً صَحِيحَةً فَلَوْ لَمْ يَهَبْهَا الْأَمْوَالَ وَيُسَلِّمْهَا لَهَا فَتَأْخُذْهَا فَرْضًا وَرَدًّا وَبِذَلِكَ أَصْبَحَ لَا فَائِدَةَ فِي الْهِبَةِ.