للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَمَا أَنَّهُ يَبْرَأُ الْمَدِينُ يَبْرَأُ مِنْهُ الْكَفِيلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَدِينَ فِي الدَّيْنِ أَصْلٌ وَالْكَفِيلُ فَرْعٌ فَبِسُقُوطِهِ عَنْ الْأَصْلِ يَسْقُطُ عَنْ الْفَرْعِ طَبْعًا، أَمَّا لَوْ عُكِسَتْ الْقَضِيَّةُ وَكَانَ الْكَفِيلُ هُوَ الْمُبَرَّأُ مِنْ قِبَلِ الدَّائِنِ، فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الْمَدِينِ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ عَنْ الْفَرْعِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْ الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْفَرْعُ دُونَ أَنْ يَثْبُتَ الْأَصْلُ وَإِلَيْكَ الْمِثَالُ: لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى اثْنَيْنِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَدَانَ مِنْهُ أَلْفَ قِرْشٍ وَالثَّانِي كَفَلَهُ فِي ذَلِكَ الْمَبْلَغِ فَأَنْكَرَ الْمَدِينُ الدَّيْنَ وَالْمُدَّعِي عَاجِزٌ عَنْ إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ إلَّا أَنَّ الْكَفِيلَ أَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ فَيُحْكَمُ عَلَى الْكَفِيلِ الَّذِي هُوَ الْفَرْعُ بِمُقْتَضَى اعْتِرَافِهِ بِالدَّيْنِ دُونَ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ.

[ (الْمَادَّةُ ٥١) السَّاقِطُ لَا يَعُودُ]

(الْمَادَّةُ ٥١) :

السَّاقِطُ لَا يَعُودُ.

يَعْنِي إذَا أَسْقَطَ شَخْصٌ حَقًّا مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي يَجُوزُ لَهُ إسْقَاطُهَا يَسْقُطُ ذَلِكَ الْحَقُّ وَبَعْدَ إسْقَاطِهِ لَا يَعُودُ. أَمَّا الْحَقُّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ لَهُ. مِثَالٌ: لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَأَسْقَطَهُ عَنْ الْمَدِينِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ رَأْيٌ فَنَدِمَ عَلَى إسْقَاطِهِ الدَّيْنَ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَلِأَنَّهُ أَسْقَطَ الدَّيْنَ، وَهُوَ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَدِينِ وَيُطَالِبَهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ مِنْ الدَّيْنِ بِإِسْقَاطِ الدَّائِنِ حَقَّهُ فِيهِ، أَمَّا لَوْ أَبْرَأَ شَخْصٌ آخَرَ مِنْ طَرِيقٍ لَهُ أَوْ سَيْلٍ أَوْ كَانَ لَهُ قِطْعَةٌ وَأَبْرَأَهُ بِهَا، فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ وَالْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَقُّ بِمَا ذُكِرَ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ وَالْإِعْرَاضِ وَيَجِبُ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فِيهَا إجْرَاءُ عَقْدِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ مَثَلًا. هَذَا وَإِلَيْكَ بَعْضُ الْأَمْثِلَةِ: إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي مَالًا مِنْ آخَرَ فَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ لِحِينِ قَبْضِ الثَّمَنِ، كَمَا تَبَيَّنَ فِي الْمَادَّةِ (٢٨١) ، وَلَكِنْ إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الْمَبِيعَ وَيَحْبِسَهُ عِنْدَهُ لِحِينِ قَبْضِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ، كَمَا قُلْنَا: كَذَلِكَ الَّذِي يَشْتَرِي مَالًا بِدُونِ أَنْ يَرَاهُ لَهُ حَقُّ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَهُوَ إذَا بَاعَهُ مِنْ آخَرَ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَجَّرَهُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ أَوْ بَعْدَ أَنْ رَآهُ يَسْقُطُ حَقُّ خِيَارِهِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (٣٣٥) فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ رَدَّ الْمَبِيعِ بِحَقِّ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ كَذَا الصُّلْحُ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ بَعْضِ الْحُقُوقِ، فَلَيْسَ لِلطَّرَفَيْنِ حَقُّ الْفَسْخِ فِيهِ، كَذَلِكَ لَوْ رَدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَةَ شَاهِدٍ بِتُهْمَةِ الْفِسْقِ فِي دَعْوَى مِنْ الدَّعَاوَى، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ شَهَادَتَهُ فِي نَفْسِ الدَّعْوَى فِيمَا لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بُطْلَانُ تِلْكَ التُّهْمَةِ.

[ (الْمَادَّةُ ٥٢) إذَا بَطَلَ شَيْءٌ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ]

(الْمَادَّةُ ٥٢) :

إذَا بَطَلَ شَيْءٌ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ. فَقَاعِدَةُ " الْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ " مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا. وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَادَّةِ: أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي ثَبَتَ ضِمْنًا إذَا بَطَلَ مُتَضَمِّنُهُ لَا يَبْقَى لَهُ الْحُكْمُ.

مِثَالٌ: لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>