للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: إنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى الَّتِي حَكَمَ بِهَا وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ قَوْلُ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ كَالْخَصَّافِ وَالطَّحْطَاوِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْمَادَّةِ " ١٧٩٤ ". لَا يَمْلِكُ الْمُرْتَشِي الرِّشْوَةَ وَلَوْ قَامَ الْمُرْتَشِي بِالْأَمْرِ الَّذِي نَدَبَهُ إلَيْهِ الرَّاشِي تَمَامًا فَلِذَلِكَ إذَا كَانَ مَالُ الرِّشْوَةِ مَوْجُودًا فَيُرَدُّ عَيْنًا وَإِذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَيُرَدُّ بَدَلًا وَإِذَا كَانَ الرَّاشِي تُوُفِّيَ فَيُرَدُّ إلَى وَرَثَتِهِ وَبِالْحُكْمِ بِالرَّدِّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَخْلِيصُ الْمُرْتَشِي مِنْ حُكْمِ الضَّمَانِ الدُّنْيَوِيِّ أَمَّا الْخَلَاصُ مِنْ الْحُكْمِ الْأُخْرَوِيِّ وَهُوَ الْأَهَمُّ وَاسْتِحْقَاقُ النَّارِ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ " الدُّرُّ الْمُنْتَقَى فِي الْغَصْبِ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ ". كَذَلِكَ إذَا تُوُفِّيَ الْمُرْتَشِي فَلَا يَمْلِكُ وَارِثُهُ الرِّشْوَةَ وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا إلَى الرَّاشِي حَتَّى أَنَّهُ إذَا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ الَّذِي كَسْبُهُ حَرَامٌ فَيَجِبُ عَلَى وَرَثَتِهِ؛ أَنْ يَتَحَرَّوْا أَصْحَابَ ذَلِكَ الْمَالِ الْحَرَامِ فَيَرُدُّوهُ إلَيْهِمْ وَإِذَا لَمْ يَجِدُوهُمْ أَنْ يَتَصَدَّقُوا بِذَلِكَ الْمَالِ " الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْعِشْرِينَ فِي الْبُيُوعَاتِ الْمَكْرُوهَةِ ".

ارْتِشَاءُ أَقْرِبَاءِ الْقَاضِي وَأَعْوَانِهِ، إذَا أَخَذَ ابْنُ الْقَاضِي أَوْ كَاتِبُهُ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ رِشْوَةً فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مِنْ الْقَاضِي أَوْ بِرِضَائِهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ ارْتِشَاءِ الْقَاضِي وَنَفَاذُ الْحُكْمِ وَعَدَمُ نَفَاذِهِ الْمَبْنِيُّ عَلَى ذَلِكَ الِارْتِشَاءِ يَجْرِي فِيهِ الِاخْتِلَافُ الْمَارُّ ذِكْرُهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي لَا يَعْلَمُ بِارْتِشَاءِ هَؤُلَاءِ فَيَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي وَيَجِبُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُرْتَشِينَ أَنْ يَرُدُّوا الرِّشْوَةَ الَّتِي أَخَذُوهَا إلَى أَصْحَابِهَا " الشِّبْلِيُّ وَالْخَانِيَّةُ ".

[ (الْمَادَّةُ ١٧٩٧) لَا يَذْهَبُ الْقَاضِي إلَى ضِيَافَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ]

الْمَادَّةُ (١٧٩٧) - (لَا يَذْهَبُ الْقَاضِي إلَى ضِيَافَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ) . لَا يَذْهَبُ الْقَاضِي إلَى ضِيَافَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ لِأَنَّ تِلْكَ الضِّيَافَةَ قَدْ أُدِّيَتْ لِلْقَاضِي وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْتَفِعَ بِأَمْوَالِ النَّاسِ بِلَا بَدَلٍ كَمَا أَنَّ ذَهَابَ الْقَاضِي إلَى ضِيَافَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ تُؤْذِي الْخَصْمَ الْآخَرَ وَتَكُونُ سَبَبًا لِلِارْتِيَابِ فِي الْقَاضِي " الْوَلْوَالِجِيَّةِ وَالْعِنَايَةُ وَالْفَتْحُ " وَيُفْهَمُ مِنْ مَنْعِ الضِّيَافَةِ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ أَنَّ الْمَنْعَ عَامٌّ سَوَاءٌ أَكَانَتْ ضِيَافَةُ الْمُتَخَاصِمَيْنِ عَامَّةً أَوْ خَاصَّةً وَسَوَاءٌ أَكَانَ بَيْنَ الْقَاضِي وَأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ قَرَابَةٌ أَوْ كَانَتْ الْكُلْفَةُ مَرْفُوعَةً بَيْنَهُمَا. ذَهَابُ الْقَاضِي إلَى ضِيَافَةِ غَيْرِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، لِلْقَاضِي أَنْ يَذْهَبَ إلَى ضِيَافَةِ غَيْرِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ إذَا كَانَتْ عَامَّةً لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تُهْمَةٌ وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «فُكُّوا الْعَانِيَ وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ» الْبُخَارِيُّ وَشَرْحُ الْمَجْمَعِ " وَبِذَلِكَ يَكُونُ قَيْدُ الْمُتَخَاصِمَيْنِ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا.

أَمَّا إذَا كَانَتْ الضِّيَافَةُ خَاصَّةً فَلَا يَذْهَبُ الْقَاضِي لِأَنَّهَا تَكُونُ ضِيَافَةً لِلْقَاضِي وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا تَكُونُ كَلِمَةُ (مُتَخَاصِمَيْنِ) قَيْدًا احْتِرَازِيًّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُضِيفَ لَا يَتْرُكُ الضِّيَافَةَ مَعَ عِلْمِهِ بِعَدَمِ حُضُورِ الْقَاضِي فَتَكُونُ الضِّيَافَةُ عَامَّةً وَإِلَّا فَخَاصَّةً وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ وَقَدْ قَبِلَهُ قَاضِي خَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، أَمَّا عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّ ضِيَافَةَ الْوَلِيمَةِ وَالْخِتَانِ هِيَ عَامَّةٌ وَمَا عَدَاهَا فَخَاصَّةٌ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ حَسَنٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>