وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: هُوَ أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْقَبْضِ فَأَصْبَحَ بِذَلِكَ الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَلَمَّا كَانَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ إذْنُ الْبَائِعِ صَرَاحَةً بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ يَعْنِي أَنَّ مَقْصُودَ الْوَاهِبِ مِنْ عَقْدِ الْهِبَةِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ فَكَانَ إذْنًا دَلَالَةً (الْفَتْحُ وَالْعِنَايَةُ وَالْهِدَايَةُ) .
مَثَلًا: بِمَا أَنَّ قَوْلَ الْوَاهِبِ: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ: اقْبِضْ هَذَا الْمَالَ فَلَوْ قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَوْهُوبَ تَتِمُّ الْهِبَةَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الْوَاهِبُ بَعْدَ الْإِيجَابِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ: اقْبِضْهُ صَرَاحَةً (الْهِدَايَةُ) .
اسْتِثْنَاءٌ: لَكِنْ كَوْنُ الْإِيجَابِ إذْنًا دَلَالَةً فِيمَا إذَا لَمْ يَنْهَ الْوَاهِبُ بَعْدَ الْإِيجَابِ عَنْ الْقَبْضِ. كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (٨٦٣) وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذْنًا (الْهِدَايَةُ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (١٣) فَعَلَيْهِ لَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بَعْدَ هَذَا النَّهْيِ قَبْضُ الْمَوْهُوبِ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ وَلَا يُعَدُّ الِافْتِرَاقُ (الدُّرَرُ) .
أَمَّا الْإِذْنُ صَرَاحَةً فَهُوَ قَوْلُهُ: خُذْ هَذَا الْمَالَ فَإِنِّي وَهَبْتُك إيَّاهُ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَمَوْجُودًا فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَقَوْلُهُ: وَهَبْتُك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ اذْهَبْ وَخُذْهُ أَمْرٌ صَرِيحٌ. وَصِحَّةُ الْقَبْضِ بِهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَمْنَعْ الْوَاهِبُ الْمَوْهُوبَ لَهُ عَنْ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ بَعْدَ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ. أَمَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ بَعْدَ الْإِذْنِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا حُكْمَ لِلْإِذْنِ السَّابِقِ. وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَسَبَ الْمَادَّةِ (٨٦٣) قَبْضُ الْمَوْهُوبِ لِلْإِذْنِ بِالْقَبْضِ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى أَمْرُ الْوَاهِبِ بِالْقَبْضِ يَعْنِي إعْطَاءَ الْإِذْنِ صَرَاحَةً بِالْقَبْضِ وَالْفِقْرَةُ الْأُولَى مِنْ الْمَادَّةِ تُبَيِّنُ حُكْمَ هَذَا.
الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ نَهْيُ الْوَاهِبِ عَنْ الْقَبْضِ. وَحُكْمُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٨٤٤) الْمَذْكُورَةِ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: سُكُوتُ الْوَاهِبِ عَنْ الْقَبْضِ وَحُكْمُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
[ (الْمَادَّةُ ٨٤٤) أَذِنَ الْوَاهِبُ صَرَاحَةً بِالْقَبْضِ]
(الْمَادَّةُ ٨٤٤) (إذَا أَذِنَ الْوَاهِبُ صَرَاحَةً بِالْقَبْضِ يَصِحُّ قَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ أَمَّا الْإِذْنُ دَلَالَةً فَمُعْتَبَرٌ بِمَجْلِسِ الْهِبَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ. مَثَلًا: لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك هَذَا وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ يَصِحُّ وَأَمَّا لَوْ قَبَضَهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ، كَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك الْمَالَ الَّذِي هُوَ فِي الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ، وَلَمْ يَقُلْ: اذْهَبْ وَخُذْهُ. فَإِذَا ذَهَبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقَبَضَهُ لَا يَصِحُّ) .
إذَا أَذِنَ الْوَاهِبُ صَرَاحَةً بِالْقَبْضِ يَصِحُّ قَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ سَوَاءٌ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ أَيْ افْتِرَاقِ الطَّرَفَيْنِ مِنْ مَجْلِسِ الْهِبَةِ. يَعْنِي تَتِمُّ الْهِبَةُ بِهَذَا الْقَبْضِ وَيَمْلِكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بِهَذَا الْقَبْضِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْوَاهِبِ بِالْقَبْضِ مُطْلَقًا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (٤٦) فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ أَوْ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ لَمَّا كَانَ يَثْبُتُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَيَتَحَقَّقُ الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute