[الْكِتَابُ الرَّابِعُ الْحَوَالَةُ]
إنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْحَوَالَةِ ثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، إذْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «مَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ» فَالْأَمْرُ بِالِاتِّبَاعِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ وَالْأَمْرُ الْوَاقِعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِأَجْلِ الِاسْتِحْبَابِ. وَلَكِنْ فِي الرِّوَايَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ هُوَ لِلْوُجُوبِ وَنَظَرًا لِبَيَانِ صَاحِبِ الْبَحْرِ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ، فَهُوَ دَلِيلُ جَوَازِ نَقْلِ الدَّيْنِ شَرْعًا (الْبَحْرُ) .
الْمُقَدِّمَةُ فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْعَائِدَةِ لِلْحَوَالَةِ: الْحَوَالَةُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ اسْمٌ مِنْ الْإِحَالَةِ، تَأْتِي بِمَعْنَى النَّقْلِ الْمُطْلَقِ، يَعْنِي: سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَنْقُولُ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا. (وَحَوَالَةُ الْغِرَاسِ) تُفِيدُ نَقْلَ فُرُوعِ الشَّجَرَةِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مُسْتَعْمَلَةٌ بِمَعْنَى الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ. وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ مِنْ قَبِيلِ نَقْلِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ (الْفَتْحُ وَالْبَحْرُ) .
(الْمَادَّةُ ٦٧٣) الْحَوَالَةُ هِيَ نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى أَيْ نَقْلُ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَبَعْدَ هَذَا النَّقْلِ يَنْتَقِلُ أَمْرُ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ مِنْ الْمُحِيلِ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، يَعْنِي أَنَّهُ بَيْنَمَا كَانَ الْمُطَالَبُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْحَوَالَةِ الْمُحِيلَ فَيَصِيرُ الْمُطَالَبُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ.
اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ إلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ هِيَ نَقْلُ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ مَعًا، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ، وَدَلِيلُهُمْ هُوَ هَذَا: إذَا وَهَبَ الْمُحَالُ لَهُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ الدَّيْنَ الْمُحَالَ بِهِ إلَى الْمُحِيلِ أَوْ أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ مِنْهُ لَا تَكُونُ هِبَتُهُ وَبَرَاءَتُهُ صَحِيحَتَيْنِ. فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ لَكَانَتْ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهِبَتُهُ صَحِيحَتَيْنِ وَبِالْعَكْسِ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهِبَتُهُ إيَّاهُ الدَّيْنَ. (الْفَتْحُ وَالْبَحْرُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَتَعْبِيرُ (نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ) الْوَارِدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَقَوْلُ (يَبْرَأُ الْمُحِيلُ) الْمَذْكُورُ فِي الْمَادَّةِ (٦٩٠) دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْمَجَلَّةِ هَذَا الْقَوْلَ.
سُؤَالٌ (١) - لَمْ تَقْبَلْ الْمَجَلَّةُ هَذَا الْقَوْلَ وَلَا الْقَوْلَ الْآتِيَ. بَلْ إنَّهَا قَبِلَتْ صُورَةً ثَالِثَةً لِأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ كَمَا إنَّهُ هُوَ نَقْلُ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ مَعًا فَالْقَوْلُ الْآتِي نَقْلُ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ. فَالْمَجَلَّةُ تَقُولُ بِنَقْلِ الدَّيْنِ فَقَطْ وَلَا تَقُولُ بِنَقْلِ الْمُطَالَبَةِ، إذْ لَيْسَ مِنْ لَفْظٍ بِخُصُوصِ الْمُطَالَبَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute