للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَمَاسَكَ شَخْصَانِ فَأَمْسَكَ أَحَدُهُمَا بِلِبَاسِ الْآخَرِ فَسَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ كَسَاعَةٍ مَثَلًا فَكُسِرَتْ فَيَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي أَمْسَكَ بِلِبَاسِ الرَّجُلِ رَغْمًا مِنْ كَوْنِهِ مُتَسَبِّبًا وَالرَّجُلُ الَّذِي سَقَطَتْ مِنْهُ السَّاعَةُ مُبَاشِرٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَا قَدْ أَفْضَى إلَى التَّلَفِ مُبَاشَرَةً دُونَ أَنْ يَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا فِعْلُ فَاعِلٍ آخَرَ.

كَذَا لَوْ شَقَّ شَخْصٌ زِقًّا مَمْلُوءًا زَيْتًا أَوْ قَطَعَ حَبْلًا مُعَلَّقًا بِهِ قِنْدِيلٌ فَتَلِفَ الزَّيْتُ الَّذِي فِيهِ فَيَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مُتَسَبِّبًا فَقَطْ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الشَّقِّ وَفِعْلَ الْقَطْعِ سَبَبَانِ نَشَأَ عَنْهُمَا التَّلَفُ مُبَاشَرَةً.

(مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) لَوْ دَلَّ مُودِعٌ لِصًّا عَلَى مَكَانِ الْوَدِيعَةِ الَّتِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ فَسَرَقَهَا اللِّصُّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُودَعِ الْمُتَسَبِّبِ لِتَقْصِيرِهِ بِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (٧٨٧) وَاللِّصُّ بِمَا أَنَّهُ مُبَاشِرٌ وَيَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ حَسَبَ هَذِهِ الْمَادَّةِ فَيَحِقُّ لِلْمُودِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِ أَيْضًا.

كَذَلِكَ الْقَضَاءُ هُوَ مِنْ مُسْتَثْنَيَاتِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَإِيضَاحُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِمُقْتَضَاهَا يَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ الْمُتَسَبِّبِينَ دُونَ الْحَاكِمِ الْمُبَاشِرِ مَعَ أَنَّهُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ دُونَ الشُّهُودِ وَقَدْ ذَهَبَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ إلَى هَذَا الرَّأْيِ تَمَسُّكًا بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَوَجْهُ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَاكِمُ مُجْبَرًا عَلَى الْحُكْمِ بَعْدَ أَدَاءِ الشُّهُودِ الشَّهَادَةَ وَتَحَقُّقِهِ مِنْ عَدَالَتِهِمْ وَيَأْثَمُ فِيمَا لَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْحُكْمِ، وَالشُّهُودُ هُمْ الْمُكْرِهُونَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ.

وَفِي ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَالِ الْأُمُورِ.

فَقَدْ تَرَتَّبَ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ وَهُمْ الْمُتَسَبِّبُونَ دُونَ الْحَاكِمِ الْمُبَاشِرِ.

[ (الْمَادَّةُ ٩١) الْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ يُنَافِي الضَّمَانَ]

(الْمَادَّةُ ٩١) :

الْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ يُنَافِي الضَّمَانَ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ، وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَخْصٌ مَا أُجِيزَ لَهُ فِعْلُهُ شَرْعًا وَنَشَأَ عَنْ فِعْلِهِ هَذَا ضَرَرٌ مَا فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلْخَسَارَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ ذَلِكَ.

مِثَالٌ: لَوْ حَفَرَ إنْسَانٌ فِي مِلْكِهِ بِئْرًا فَوَقَعَ فِيهِ حَيَوَانُ رَجُلٍ وَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ حَافِرُ الْبِئْرِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرْءِ بِمِلْكِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، أَمَّا لَوْ تَلِفَ الْحَيَوَانُ فِي بِئْرٍ حَفَرَهُ شَخْصٌ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّ الْأَمْرِ أَوْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِقُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي أَرْضٍ بِدُونِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ. وَلَكِنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَلْزَمُ ضَمَانُهُ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً مَثَلًا وَحَفَرَ أَحَدُهُمَا فِيهَا بِئْرًا فَسَقَطَ فِيهِ حَيَوَانٌ وَتَلِفَ - نِصْفُ قِيمَةِ الْحَيَوَانِ.

وَيَتَفَرَّعُ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَعْضُ فُرُوعِ الْإِجَارَةِ، وَالْأَمَانَاتِ، وَالْهِبَةِ، وَالشَّرِكَةِ وَهِيَ كَمَا يَلِي:

<<  <  ج: ص:  >  >>