[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ خِيَارِ الشَّرْطِ]
إنَّ إضَافَةَ (خِيَارِ) إلَى (الشَّرْطِ) مِنْ إضَافَةِ السَّبَبِ إلَى الْمُسَبَّبِ لِأَنَّ سَبَبَ هَذَا الْخِيَارِ هُوَ الشَّرْطُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْخِيَارِ أَيْ الَّذِي اشْتَرَطَهُ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ مُخَيَّرًا فِي قَبُولِ الْعَقْدِ وَرَدِّهِ، وَيَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ الصِّلَةِ يَعْنِي مَعَ أَنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ أَخْرَجَ الْمَبِيعَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِدْخَالَهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الْخِيَارُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ. وَالْعِلَّةُ نَوْعَانِ:
الْأَوَّلُ: الْعِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ وَهِيَ مَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحُكْمِ وَتَرَاخِيهِ عَنْهَا كَالسَّوَادِ مَعَ الِاسْوِدَادِ فَإِذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ وَجَبَ الْحُكْمُ بِمَعْلُولِهَا كَالصَّبْغِ مَثَلًا فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِلِاصْطِبَاغِ فَإِذَا وُجِدَ الصَّبْغُ وُجِدَ الِاصْطِبَاغُ بِدُونِ تَرَاخٍ وَلَا يَكُونُ حُصُولُ الصَّبْغِ فِي زَمَنٍ وَالِاصْطِبَاغِ فِي زَمَنٍ آخَرَ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ كَعِلَّةِ الْبَيْعِ فِي الْمِلْكِ، وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَخَلُّفُهُ عَنْ الْعِلَّةِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ تَرَاخِيهِ وَتَرَاخِي الْحُكْمِ يَنْشَأُ عَنْ مَوَانِعَ وَهِيَ أَنْوَاعٌ:
١ - مَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ كَإِضَافَةِ الْبَيْعِ إلَى الْحُرِّ مِنْ بَنِي آدَمَ فَالْبَيْعُ هَذَا لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ إلَّا فِيمَا كَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ. ٢ - مَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْعِلَّةِ كَإِضَافَةِ الْبَيْعِ إلَى مَالِ الْغَيْرِ فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ لِلْغَيْرِ فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ فِيهِ نَافِذًا بَلْ مَوْقُوفًا. ٣ - مَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ أَيْ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ (فَتْحُ الْقَدِيرِ) . ٤ - مَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ. ٥ - مَا يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْبَيْعِ بَلْ يَجْرِي فِي الْإِقَالَةِ وَالْقِسْمَةِ وَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ مَالٍ أَيْ يَجْرِي فِي كُلِّ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ الَّتِي تَقْبَلُ الْفَسْخَ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَفِي الْكَفَالَةِ النَّفْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ لِلْكَفِيلِ وَفِي الْحَوَالَةِ لِلْمُحَالِ لَهُ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ أَمَّا فِي الصُّلْحِ عَنْ قَتْلِ الْعَمْدِ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ الْقِصَاصُ فَلَا يَجْرِي فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَكَذَلِكَ الْإِبْرَاءُ وَالْوَكَالَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالْعَارِيَّةُ الْوَدِيعَةُ وَالنِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ فَخِيَارُ الشَّرْطِ فِي كُلِّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْ أَنَّ الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ فِي ذَلِكَ لَا حُكْمَ لَهُ فَالْإِبْرَاءُ وَالْوَكَالَةُ وَالْإِقْرَارُ كُلُّ ذَلِكَ يَصِحُّ بِلَا خِيَارٍ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي بَيْعِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَعَلَى ذَلِكَ إذَا أَبْرَأَ الدَّائِنُ مَدِينَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ كَذَا يَوْمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute