الْأَلْفَاظُ، هَذِهِ الْعِبَارَةُ خَاصَّةٌ بِالْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ عَلَى مَا صَارَ إيضَاحُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١٠١) يَكُونُ بِالْأَلْفَاظِ فَعَلَيْهِ الْهِبَةُ لَا يَنْحَصِرُ انْعِقَادُهَا بِاللَّفْظِ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا بِالتَّعَاطِي كَمَا سَيُذْكَرُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ. وَيَكُونُ الْقَبُولُ فِعْلًا أَيْضًا عَلَى مَا ذُكِرَ الْمَادَّةُ (٨٤١) .
كَذَلِكَ إنَّ عِبَارَةَ الْأَلْفَاظِ هِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّاطِقِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّ الْهِبَةَ تَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمَعْهُودَةِ أَيْضًا (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٧٠) .
فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ الْأَخْرَسُ شَيْئًا مِنْ مَالٍ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْهُودَةِ لِزَوْجَتِهِ وَسَلَّمَهَا ذَلِكَ ثُمَّ نَدِمَ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِإِشَارَةِ النَّاطِقِ " الْبَهْجَةُ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ.
٥ - بِصُورَةٍ قَطْعِيَّةٍ أَيْ بِصُورَةٍ لَا تَحْتَمِلُ عَقْدًا آخَرَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَمَّا كَانَ أَدْنَى مِنْ الْهِبَةِ فَإِذَا كَانَ لَفْظٌ يَحْتَمِلُ الْقَرْضَ وَالْهِبَةَ مَعًا فَالتَّمْلِيكُ الْوَاقِعُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ يُصْرَفُ إلَى الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ الْأَقَلَّ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مِلْكَ الْمَالِكِ فِي الْقَرْضِ يَزُولُ فِي مُقَابِلِ بَدَلٍ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ يَزُولُ بِلَا بَدَلٍ " الْأَنْقِرْوِيُّ ".
وَعَلَيْهِ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ آخَرَ مِقْدَارًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَقَالَ لَهُ: اصْرِفْهَا فِي حَوَائِجِك فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ هِبَةً بَلْ قَرْضًا. أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ أَثْوَابًا وَقَالَ: الْبَسْهَا، فَبِمَا أَنَّ إقْرَاضَ الْأَثْوَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ هِبَةً تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ. كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ حِنْطَةً لِآخَرَ وَقَالَ لَهُ: كُلْهَا كَانَ هِبَةً لَا قَرْضًا (الْأَنْقِرْوِيُّ) وَعَلَيْهِ لَوْ اخْتَلَفَ الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ فَقَالَ الْوَاهِبُ: قَدْ كَانَ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ قَرْضًا وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: بَلْ هِبَةً، فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلدَّافِعِ (التَّنْقِيحُ) .
كَذَلِكَ لَوْ أَعْطَتْ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا مِقْدَارًا مِنْ الدَّرَاهِمِ لِيُنْفِقَهُ عَلَى الْبَيْتِ وَأَنْفَقَهُ الزَّوْجُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَسَائِرَ الْوَرَثَةِ فَلِسَائِرِ الْوَرَثَةِ تَضْمِينُ الزَّوْجَةِ حِصَّتَهُمْ مِنْ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) وَفِي الْأَنْقِرْوِيِّ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: كَانَتْ تَدْفَعُ لِزَوْجِهَا وَرَقًا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى النَّفَقَةِ أَوْ إلَى شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ (انْتَهَى وَمِثْلُهُ فِي الطَّحْطَاوِيِّ) .
وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ قَبْلَ الزِّفَافِ أَمْوَالًا وَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِرْدَادَهَا عِنْدَ مُفَارَقَتِهَا بِدَاعِي أَنَّهَا عَارِيَّةٌ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ مُنْكِرِ التَّمْلِيكِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٧٦) وَإِذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ يَعْنِي لَوْ جُمِعَ فِي مَسْأَلَةٍ بَيْنَ بَيِّنَةِ الْهِبَةِ وَبَيِّنَةِ الْعَارِيَّةِ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْهِبَةِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا أَعْطَتْ الزَّوْجَةُ فِي مُقَابَلِ الْهَدَايَا الْمَذْكُورَةِ عِوَضًا فَبِمَا أَنَّ تِلْكَ الْهَدَايَا لَمْ تَكُنْ هِبَةً فَلَا يَكُونُ عِوَضُ الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِوَضًا وَلَهَا اسْتِرْدَادُهُ. لَكِنْ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الزَّوْجَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا صَرَّحَتْ وَقْتَ الْإِعْطَاءِ بِكَوْنِهِ عِوَضًا. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٨٦٨ وَشَرْحَهَا) . أَمَّا إذَا لَمْ تُصَرِّحْ بِذَلِكَ بَلْ نَوَتْ أَنْ تَكُونَ عِوَضًا فَبِمَا أَنَّهُ لَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى مُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَمَا هُوَ مُوَضَّحٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الثَّانِيَةِ فَلَا تُعَدُّ عِوَضًا بَلْ تَكُونُ هِبَةً مُسْتَقِلَّةً فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ اسْتِرْدَادُهَا بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (٨٦٧) (التَّنْقِيحُ) .
٦ - قِيلَ: أَلَّا يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْمُزَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدٌ هَازِلًا لِآخَرَ: وَهَبْتنِي مَالَك هَذَا؛ فَقَالَ لَهُ: قَدْ وَهَبْتُك إيَّاهُ، وَقَبِلَهُ الْآخَرُ وَتَسَلَّمَهُ وَقَبَضَهُ جَازَتْ الْهِبَةُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ وَبَيَّنَ بَعْضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute