؛ لِأَنَّ وَضْعَ الشَّهَادَةِ هُوَ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ كَمَا بُيِّنَ فِي الْمَادَّةِ (٧٧) .
فَلِذَلِكَ إذَا وُجِدَتْ بَيِّنَتَا إثْبَاتٍ وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْأُخْرَى فَتُقَدَّمُ الزَّائِدَةُ، وَالْحَالُ أَنَّ النَّفْيَ وَالْعَدَمَ لَمْ يَكُنْ خِلَافَ الظَّاهِرِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ وَالْأَصْلُ كَمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ مُتَضَمِّنَةٌ الْمُشَاهَدَةَ، وَالْمُشَاهَدَةُ تَحْصُلُ بِالْعِلْمِ وَلَا مُحَصَّلَ بِالنَّفْيِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالْحَمَوِيُّ بِزِيَادَةٍ) .
سُؤَالٌ - إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَدَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَاهُ بِقَوْلِهِ: قَدْ أَبْرَأْتَنِي مِنْ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ. وَشَهَادَةُ الشُّهُودِ الَّذِينَ يُقِيمُهُمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلشَّهَادَةِ (بِأَنَّ هَذَا الدَّائِنَ أَبْرَأَ هَذَا الْمَدِينَ مِنْ الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ) لَيْسَتْ شَهَادَةً لِإِظْهَارِ وَإِثْبَاتِ الْحَقِّ بَلْ هِيَ لِإِظْهَارِ عَدَمِ الْحَقِّ فَكَانَ يَجِبُ عَدَمُ قَبُولِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ. وَجَوَابُهُ قَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١٦٨٤) .
٢ - سُؤَالٌ - إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَدَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّعْوَى قَائِلًا: قَدْ أَوْفَيْتُك ذَلِكَ الْمَبْلَغَ. وَشَهَادَةُ الشُّهُودِ الَّذِينَ يُقِيمُهُمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِإِثْبَاتِ هَذَا الدَّفْعِ لَا يَثْبُتُ بِهَا وُجُودُ الْحَقِّ بَلْ يَثْبُتُ بِهَا بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ عِنْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا بِحَقٍّ مِنْ الْمُدَّعِي حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَظْهَرُ ذَلِكَ الْحَقُّ وَجَوَابُ ذَلِكَ يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (١٥٨) .
فَلِذَلِكَ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى أَحَدٍ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَقَعَ فِي مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْقَتْلِ وَالْقِصَاصِ فَإِذَا أَقَامَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ.
كَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِقَوْلِهِمْ: فُلَانٌ مَا فَعَلَ هَذَا الْأَمْرَ، وَهُوَ مِثَالٌ عَلَى الْأَفْعَالِ وَالشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ لَيْسَ لِفُلَانٍ وَهُوَ مِثَالٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَفُلَانٌ لَيْسَ بِمَدِينٍ لِفُلَانٍ وَهُوَ مِثَالٌ عَلَى الدُّيُونِ وَفُلَانٌ لَمْ يُقِرَّ بِالشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ وَهُوَ مِثَالٌ عَلَى الْأَفْعَالِ مِنْ الْأَقْوَالِ فَلَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ الصِّرْفِ سَوَاءٌ أَكَانَ النَّفْيُ لَفْظًا وَمَعْنًى أَوْ كَانَ مَعْنًى، فَعَلَيْهِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ أَنَّ الشَّاهِدَ شَاهِدُ زُورٍ وَأَنَّهُ شَهِدَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ هِيَ شَهَادَةُ نَفْيٍ كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي قَائِلًا: إنَّ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ بَاعَنِي فِي سَنَةِ كَذَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي دِمَشْقَ فَرَسَهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَثْبَتَ مُدَّعَاهُ فَأَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً يُثْبِتُ بِهَا بِأَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بَلْ كَانَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ بَعِيدٍ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَمْ أَكُنْ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ هُوَ نَفْيُ صُورَةٍ وَمَعْنًى كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: كُنْت مَوْجُودًا فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ، نَفْيُ مَعْنًى (الْفَيْضِيَّةُ) .
كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي قَائِلًا: إنَّ هَذَا الْمَالَ هُوَ لِي حَتَّى أَنَّك قَدْ أَقْرَرْت فِي دِمَشْقَ فِي الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ بِأَنَّهُ مِلْكِي وَأَثْبَتَ الْإِقْرَارَ الْمَذْكُورَ فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي الزبداني فَلَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَفْيًا لَفْظًا إلَّا أَنَّهَا نَفْيُ مَعْنًى (الْهِنْدِيَّةُ) .
كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدِعُ قَائِلًا: إنَّنِي رَدَدْت لَك الْوَدِيعَةَ وَأَعَدْتهَا إلَيْك فِي الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ فِي دِمَشْقَ، وَادَّعَى الْمُودِعُ قَائِلًا: قَدْ كُنْت فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي حَلَبَ وَأَرَادَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَلَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا نَفْيُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute