كَذَلِكَ إذَا تَصَالَحَ أَحَدٌ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ كَانَ الصُّلْحُ الْمَعْقُودُ بَيْنَهُمَا بَاطِلًا وَلَهُ اسْتِرْدَادُ بَدَلِ الصُّلْحِ مِنْ الشَّاهِدِ. وَكَذَلِكَ إذَا أَلْقَى الْقَبْضَ عَلَى سَارِقٍ وَتَصَالَحَ مَعَ السَّارِقِ عَلَى أَنْ لَا يَرْفَعَ أَمْرَهُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ كَانَ الصُّلْحُ غَيْرَ صَحِيحٍ (الدُّرَرُ وَمِعْيَارُ الْعَدَالَةِ) .
وَكَذَلِكَ إذَا قَذَفَ أَحَدٌ فِي حَقِّ أَحَدٍ وَأَبْرَأَ الْمَقْذُوفُ الْقَاذِفَ مِنْ قَذْفِهِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الْإِبْرَاءُ وَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَطْلُبَ وَيَدَّعِيَ مُوجَبَ الْقَذْفِ. لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ مُوجَبِ قَذْفِهِ إيَّاهُ، وَمُوجَبُ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - (رِسَالَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِبْرَاءِ وَالْإِقْرَارِ) .
أَمَّا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ لَيْسَ بِحَقٍّ لِلْمُصَالِحِ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ فَلِذَلِكَ إذَا ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ الْمُطَلَّقَةُ عَلَى زَوْجِهَا بِأَنَّ هَذَا الصَّبِيَّ هُوَ وَلَدُ الزَّوْجِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ دَعْوَاهَا وَصَالَحَ الْمُدَّعِيَةَ عَنْ دَعْوَى النَّسَبِ عَلَى مَالٍ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَ حَقَّ الْمُدَّعِيَةِ حَتَّى يَحِقَّ لَهَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ (الدُّرَرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
كَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ أَحَدٌ شَيْئًا مُضِرًّا فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَادَّعَى آخَرُ عَلَيْهِ بِطَلَبِ رَفْعِهِ حَسَبَ صَلَاحِيَّتِهِ فِي الْمَادَّةِ (الـ ١٣١٤) ثُمَّ تَصَالَحَ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ الصُّلْحُ الْوَاقِعُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ هُوَ حَقٌّ لِلْعَامَّةِ وَلَيْسَ حَقَّ الْمَصَالِحِ حَصْرًا. فَلِذَلِكَ لِلْمُصَالِحِ، أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ حَقُّ طَلَبِ رَفْعِ ذَلِكَ الضَّرَرِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَدِيمًا (الْخَانِيَّةُ) .
أَمَّا إذَا كَانَ فِي الصُّلْحِ عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ فَلِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ بِحَسَبِ وِلَايَتِهِ الْعَامَّةِ حَقُّ الصُّلْحِ وَأَنْ يَضَعَ بَدَلَ الصُّلْحِ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ إنَّ لَهُ الْحَقَّ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ (أَبُو السُّعُودِ وَالدُّرَرُ الْمُنْتَقَى وَالزَّيْلَعِيّ) .
أَمَّا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْمُحْدَثَاتُ وَاقِعَةً عَلَى الطَّرِيقِ الْخَاصِّ وَحَصَلَ الصُّلْحُ مَعَ أَهْلِ تِلْكَ الطَّرِيقِ كَانَ الصُّلْحُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْخَاصَّ هُوَ مِلْكٌ لِأَهْلِهِ (الْكِفَايَةُ) كَذَلِكَ إذَا تَصَالَحَ الْمُسْتَوْدِعُ مَعَ السَّارِقِ الَّذِي سَرَقَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ يُنْظَرُ: فَإِذَا كَانَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ مَوْجُودًا فِي يَدِ السَّارِقِ عَيْنًا فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (الـ ٩٦) مَا لَمْ يُجِزْ الْمُودِعُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (الـ ١٤٥٣) .
أَمَّا إذَا تَلِفَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ يُنْظَرُ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الصُّلْحِ غَبْنٌ فَاحِشٌ كَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا، وَلَا يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمُودِعِ. لِأَنَّ لِلْمُودِعِ حَسَبَ الْمَادَّةِ (الـ ١٦٧٧) أَنْ يُخَاصِمَ الْغَاصِبَ وَأَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ بَدَلَ الضَّمَانِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي الصُّلْحِ غَبْنٌ فَاحِشٌ فَلَا يَنْفُذُ هَذَا الصُّلْحُ فِي حَقِّ الْمُودِعِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ حَقًّا ثَابِتًا فِي مَحَلٍّ. فَلِذَلِكَ إذَا تَصَالَحَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ مَعَ الْمَكْفُولِ لَهُ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ عَلَى مَالٍ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا. لِأَنَّ حَقَّ الْمَكْفُولِ لَهُ عِنْدَ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ هُوَ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَإِنَّ وِلَايَةَ الْمُطَالَبَةِ هِيَ صِفَةُ الْوَالِي فَالصُّلْحُ عَنْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا أَنَّ الْكَفَالَةَ الْمَذْكُورَةَ بَاطِلَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ. لِأَنَّ السُّقُوطَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِوَضِ، وَإِذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ (الْكِفَايَةُ) .
أَمَّا الصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ فَهُوَ صَحِيحٌ؛