للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَجْرِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ أَوْ إقْرَارِهِ بِدَيْنِ الْآخَرِ حَجَرَهُ الْحَاكِمُ وَبَاعَ أَمْوَالَهُ وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَتْرُكُ لَهُ ثَوْبًا أَوْ ثَوْبَيْنِ مِنْ ثِيَابِهِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَدِينِ ثِيَابٌ ثَمِينَةٌ وَأَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا بَاعَهَا وَاشْتَرَى لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا ثِيَابًا رَخِيصَةً تَلِيقُ بِحَالِهِ وَأَعْطَى بَاقِيَهَا لِلْغُرَمَاءِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ دَارٌ وَأَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا بَاعَهَا وَاشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا دَارًا مُنَاسِبَةً لِحَالِ الْمَدِينِ وَأَعْطَى بَاقِيَهَا لِلْغُرَمَاءِ) الْمَدِينُ الْمُفْلِسُ: أَفْلَسَ الرَّجُلُ كَأَنَّهُ صَارَ إلَى حَالٍ لَيْسَ لَهُ فُلُوسٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: صَارَ ذَا فُلُوسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا دَرَاهِمَ فَهُوَ مُفْلِسٌ وَالْجَمْعُ مَفَالِيسُ وَصَنْعَتُهُ الِانْتِقَالُ مِنْ حَالِ الْيُسْرِ إلَى حَالِ الْعُسْرِ (الطَّحْطَاوِيُّ) أَيْ هُوَ الَّذِي دَيْنُهُ مُسَاوٍ لِمَالِهِ أَوْ كَانَ دَيْنُهُ أَزْيَدَ إذَا خَافَ غُرَمَاؤُهُ ضَيَاعَ مَالِهِ بِالتِّجَارَةِ، أَوْ أَنْ يُخْفِيَهُ وَكَيْفَ يَصِيرُ إخْفَاءُ الْمَالِ؟ وَلَعَلَّ الْفِقْرَةَ الَّتِي بَعْدَ عِبَارَةِ (أَنْ يُخْفِيَ مَالَهُ) مُفَسِّرَةُ الْعَطْفِ الْوَاقِعِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ (الشَّارِحُ) أَوْ يَجْعَلُهُ بِاسْمِ غَيْرِهِ بِوَجْهٍ كَأَنْ يَبِيعَ مَالَهُ مُوَاضَعَةً أَوْ يُقِرَّ بِهِ وَرَاجَعُوا الْحَاكِمَ لِأَجْلِ حَجْرِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ أَوْ إقْرَارِهِ بِدَيْنٍ لِآخَرَ حَجَرَهُ الْحَاكِمُ (الْكِفَايَةُ) .

وَالْمَدِينُ إنَّمَا يُحْجَرُ بِحَجْرِ الْحَاكِمِ فَالِاخْتِلَافُ الْجَارِي فِي حَجْرِ السَّفِيهِ لَا يَجْرِي فِي حَجْرِ الْمَدِينِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) . وَقَدْ قَصَرَتْ الْمَجَلَّةُ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهَا (الَّذِي دَيْنُهُ. إلَخْ) عَلَى الْمُفْلِسِ الْحَقِيقِيِّ، وَالْحَالُ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَادَّةِ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُفْلِسِ الْحَقِيقِيِّ بَلْ يَعُمُّ الْمُفْلِسَ حَقِيقَةً وَغَيْرَ الْمُفْلِسِ حَقِيقَةً يَعْنِي كَأَنْ يَدَّعِيَ الْإِفْلَاسَ وَهُوَ غَنِيٌّ وَمُمْتَنِعٌ عَنْ تَأْدِيَةِ مَا عَلَيْهِ بِدَاعِي أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ نُقُودٌ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ حَالَ مَنْ يَدَّعِي الْإِفْلَاسَ وَمُمْتَنِعٌ عَنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَهُوَ غَنِيٌّ كَحَالِ الْمُفْلِسِ الْحَقِيقِيِّ. وَقَدْ جَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُفْلِسِ هَهُنَا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ إمَّا مَنْ يَدَّعِي الْإِفْلَاسَ - فَيَتَنَاوَلُ الْغَنِيَّ أَيْضًا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَدِينَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي دَيْنَهُ يَدَّعِي الْإِفْلَاسَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي نَفْسِهِ - إمَّا مَنْ حَالُهُ حَالُ الْمُفْلِسِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَنِيَّ الَّذِي يُؤَدِّي دَيْنَهُ حَالٌ فِي عَدَمِ أَدَاءِ الدَّيْنِ حَالَ الْمُفْلِسِ فَلَا يَلْزَمُ تَخْصِيصُ الْمَسْأَلَةِ بِمَنْ هُوَ مُفْلِسٌ حَقِيقَةً. وَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِي تَخْصِيصِ الْمَجَلَّةِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ بِالْمُفْلِسِ الْحَقِيقِيِّ هُوَ ذِكْرُ حُكْمِ مَنْ يَدَّعِي الْإِفْلَاسَ وَهُوَ غَيْرُ مُفْلِسٍ فِي الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ.

وَإِذَا حَجَرَ الْحَاكِمُ الْمَدِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا تَصِحُّ بَعْدَئِذٍ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ تَصَرُّفَاتُهُ كَالْهِبَةِ وَالتَّصَدُّقِ، أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَجْرِ. وَتَصَرُّفَاتُهُ تَكُونُ صَحِيحَةً بَعْدَ الْحَجْرِ أَيْضًا، وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْحَبْسُ فِي هَذَا الْحَجْرِ، يَجُوزُ حَجْرُ الْمَدِينِ قَبْلَ الْحَبْسِ وَبَعْدَهُ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَنَتَائِجُ الْأَفْكَارِ) وَبِمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ أَيْضًا فَكَانَ مِنْ الْمُنَاسِبِ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ كَلِمَةَ (عَنْ التَّصَرُّفِ) كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، لَا مَعَ الْبَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قُوبِلَ الْعَامُّ بِالْخَاصِّ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَدْ قَصَدَ مَا عَدَا الْخَاصِّ الْمَذْكُورِ مِنْ الْعَامِّ عَطْفَ الْمُبَايِنِ عَلَى الْمُبَايَنِ، وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٩٨] الْآيَةَ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .

بِبَيْعِ الْحَاكِمِ أَوْ أَمِينِهِ فِي الْحَالِ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ الَّتِي لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ لَهُ وَيُقَسِّمُهَا بَيْنَ الْغُرَمَاءِ. وَعَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ فِي الصَّيْفِ كُلَّ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَدِينُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ سَجَّادٍ وَبُسُطٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>