مِثَالٌ آخَرُ: لَوْ شَهِدَتْ الشُّهُودُ بِالطَّلَاقِ فَسُئِلُوا عَنْ تَارِيخِ وُقُوعِهِ هَلْ كَانَ زَمَنُ الصِّحَّةِ أَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَأَجَابُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ حِينَئِذٍ وُقُوعُهُ عَلَى زَمَنِ مَرَضِ الْمَوْتِ.
مِثَالٌ آخَرُ: إذَا ادَّعَتْ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ الْمَسِيحِيَّةُ أَنَّهَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِ زَوْجِهَا وَطَلَبَتْ حِصَّتَهَا الْإِرْثِيَّةَ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّهَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ إسْلَامِهَا بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا أَقْرَبُ تَارِيخًا، وَهُوَ الْأَصْلُ مَا لَمْ تَثْبُتْ.
(مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) (١) لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى حَاكِمٍ مَعْزُولٍ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ بَعْدَ عَزْلِهِ مَبْلَغًا قَدْرُهُ كَذَا جَبْرًا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ادَّعَى أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ أَثْنَاءَ مَا كَانَ حَاكِمًا بَعْدَ أَنْ أَجْرَى مُحَاكَمَتَهُ وَأَنَّهُ أَعْطَى الْمَبْلَغَ لِلْمَحْكُومِ لَهُ فُلَانٍ، فَإِذَا كَانَ الْمَبْلَغُ الْمَدْفُوعُ تَلِفَ فِي يَدِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، فَالْقَوْلُ لِلْحَاكِمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُضِيفُ فِعْلَهُ لِزَمَنٍ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ وَيَدَّعِي بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ مَعَ أَنَّهُ بِحَسَبِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَمَّا كَانَ وُقُوعُ الْأَخْذِ بَعْدَ الْعَزْلِ هُوَ أَقْرَبُ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ أَصْلًا، وَعَلَى الْحَاكِمِ الْمُدَّعِي أَنْ يُثْبِتَ خِلَافَ الْأَصْلِ أَيْ حُصُولَ الْأَخْذِ قَبْلَ الْعَزْلِ.
(٢) إذَا ادَّعَتْ زَوْجَةُ مَسِيحِيٍّ أَنَّ إسْلَامَهَا وَقَعَ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَأَنَّ لَهَا الْحَقَّ فِي أَنْ تَرِثَهُ لِكَوْنِهَا حِينَ وَفَاتِهِ كَانَتْ عَلَى دِينِهِ، وَادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّهَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ مَعَ أَنَّهُ حَسَبَ الْقَاعِدَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِنَاقَهَا الدِّينَ الْإِسْلَامِيَّ أَمْرٌ حَادِثٌ، وَالزَّوْجَةُ تَدَّعِي حُدُوثَهُ فِي الْوَقْتِ الْأَقْرَبِ، وَعَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُثْبِتُوا خِلَافَ الْأَصْلِ، وَالسَّبَبُ فِي عَدَمِ جَرَيَانِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى هُوَ الْعَمَلُ بِقَاعِدَةِ الِاسْتِصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينِ أَيْ سَبَبَ الْحِرْمَانِ مِنْ الْإِرْثِ هُوَ مَوْجُودٌ بِالْحَالِ، وَبِالِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ تُعْتَبَرُ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ مُسْلِمَةٌ أَيْضًا.
مِثَالٌ آخَرُ: لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ آخَرَ لَأَنْ يَحْفَظَ مَالَهُ مُدَّةً سَنَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَتَلِفَ الْمَالُ، وَادَّعَى الْأَجِيرُ اسْتِحْقَاقَهُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ لِتَلَفِ الْمَالِ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ، وَادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ أَنَّ تَلَفَ الْمَالِ تَلِفَ لِمُرُورِ شَهْرٍ مِنْ تَسَلُّمِ الْأَجِيرِ لَهُ وَأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأَجْرِ سِوَى أُجْرَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ، فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ خِلَافًا لِلْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَدَّعِي بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَتْ الْكُتُبُ الْفِقْهِيَّةُ هَذَا الْحُكْمَ بِقَوْلِهَا (فَإِنْ قِيلَ الْأَصْلُ أَنْ يُضَافَ الْحَادِثُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ الْأَجِيرُ، يُقَالُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ ظَاهِرٌ يَصِحُّ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، فَغَرَضُ الْأَجِيرِ أَخْذُ الْأَجْرِ، فَلَا يَصِحُّ بِهِ) .
مِثَالٌ آخَرُ: لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ إقْرَارَهُ وَقَعَ حَالٍ طُفُولِيَّتِهِ، وَادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ حَصَلَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ مَعَ الْيَمِينِ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ - تَوْفِيقًا لِقَاعِدَةِ إضَافَةِ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ - أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الزَّمَنَ الْأَقْرَبَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ طَلَبَ الْأَجْرِ وَطَلَبَ الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ أَصْبَحَا خَارِجَيْنِ عَنْ قَاعِدَةِ (الْأَصْلُ إضَافَةُ الْحَوَادِثِ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهَا) لِمُعَارَضَةِ قَاعِدَةِ (الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ) لَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute