الْحَاكِمِ وَيَحْفَظَ ثَمَنَهَا أَمَانَةً عِنْدَهُ مِثْلَ أَصْلِهَا. يَعْنِي أَنَّ اللَّائِقَ وَالْمُنَاسِبَ بِالْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَبِيعَ الْوَدِيعَةَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَأَنْ يَحْفَظَ ثَمَنَهَا وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ حَاكِمٌ يَبِيعُهَا الْوَدِيعُ بِالذَّاتِ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهَا.
وَأَمَّا مَا دَامَتْ مُرَاجَعَةُ الْحَاكِمِ مُمْكِنَةً فَإِذَا بَاعَهَا الْمُسْتَوْدَعُ بِدُونِ الْمُرَاجَعَةِ يَكُونُ بَيْعًا فُضُولِيًّا وَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْفُضُولِيِّ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبِعْهَا وَفَسَدَتْ بِالْمُكْثِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ حَيْثُ إنَّ عَدَمَ بَيْعِهِ إيَّاهَا امْتِنَاعٌ عَنْ عَمَلِ الْخَيْرِ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، فَفَسَادُ الْوَدِيعَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُعَدُّ تَقْصِيرًا أَيْضًا.
مَثَلًا لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الصُّوفِ أَوْ شَيْئًا يُفْسِدُهُ الْعُثُّ وَلَمْ يَبِعْهَا الْمُسْتَوْدَعُ وَلَمْ يُعَرِّضْهَا إلَى الشَّمْسِ وَالْهَوَاءِ فِي الصَّيْفِ وَأَفْسَدَهَا الْعُثُّ فَهَلَكَتْ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. ذُكِرَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ عَرْضَ وَدِيعَةٍ كَهَذِهِ إلَى الشَّمْسِ وَالْهَوَاءِ وَالِارْتِدَاءِ بِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُفْسِدُهَا الْعُثُّ لَازِمٌ كَمَا أَنَّ لُبْسَ الثِّيَابِ وَإِلْبَاسَهَا غَيْرَهُ لَازِمٌ أَحْيَانًا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْحَرِيرِ وَاقْتُضِيَ ذَلِكَ لِأَجْلِ مُحَافَظَتِهَا مِنْ آفَاتٍ مِثْلِ هَذِهِ وَأَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمُسْتَوْدَعُ هَذَا اللُّزُومَ وَفَسَدَتْ الثِّيَابُ يَكُونُ ضَامِنًا.
إنَّمَا إذَا كَانَ الْمُودِعُ نَهَى الْمُسْتَوْدَعَ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ (الْبَاجُورِيُّ) .
وَتَظْهَرُ وَفَاةُ الْغَائِبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: وَرَدَ فِي الْمَجَلَّةِ (إلَى أَنْ تَتَبَيَّنَ وَفَاتُهُ) وَتَبَيُّنُ وَفَاةِ الْغَائِبِ الْمَرْقُومِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: تَبَيُّنُ وَفَاةِ الْمَفْقُودِ حَقِيقَةً.
تَظْهَرُ وَفَاتُهُ حَقِيقَةً وَتَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ. كَمَا لَوْ كَانَ لِلْمَفْقُودِ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ مَالٌ أَوْ دَيْنٌ عِنْدَ أَحَدٍ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَدِيعَةِ وَيَطْلُبَهَا مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ وَيَدَّعِيَ بِالدَّيْنِ وَيَطْلُبَهُ مِنْ الْمَدِينِ. مَثَلًا إذَا ادَّعَى ابْنُ الْمَفْقُودِ عَلَى مَدِينِ وَالِدِهِ قَائِلًا: بِمَا أَنَّ وَالِدِي تُوُفِّيَ وَقَدْ بَقِيَ دَيْنُهُ الَّذِي بِذِمَّتِك الْبَالِغُ كَذَا قِرْشًا مِيرَاثًا لِي فَاعْطِنِي إيَّاهُ وَمَعَ إقْرَارِ الْمَدِينِ وَإِثْبَاتِ وَفَاةِ وَالِدِهِ بِالشُّهُودِ تَثْبُتُ وَفَاةُ الْمَفْقُودِ حَقِيقَةً. كَمَا لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْغَائِبِ وَالْمَفْقُودِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ نَظَرًا لِوَفَاةِ مُوَرِّثِهِ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ انْتَقَلَ إرْثُ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ فَقَطْ وَطَلَبَ تَسْلِيمَهَا لَهُ مُثْبِتًا الْوَفَاةَ بِالْبَيِّنَةِ يَثْبُتُ مَوْتُ الْغَائِبِ الْمَرْقُومِ وَتَجْرِي الْمُعَامَلَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فِي الْمَادَّةِ (٨٠٢) .
الْوَجْهُ الثَّانِي: تَبَيُّنُ وَفَاةِ الْمَفْقُودِ حُكْمًا. يَعْنِي إذَا أَكْمَلَ الْمَفْقُودُ سِنَّ التِّسْعِينَ اعْتِبَارًا مِنْ تَارِيخِ وِلَادَتِهِ يُحْكَمُ بِوَفَاتِهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ نَادِرَةٌ وَلَا اعْتِبَارَ لِلنَّادِرِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ ٤٢ - الْمَجَلَّةُ. إنَّمَا وَفَاةُ الْمَفْقُودِ حُكْمًا بَعْدَ إكْمَالِهِ سِنَّ التِّسْعِينَ يَحْصُلُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ. وَإِلَّا لَا يُعَدُّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ حُكْمًا بِمُجَرَّدِ إكْمَالِهِ سِنَّ التِّسْعِينَ بِدُونِ حُكْمِ الْحَاكِمِ. وَحُكْمُ الْحَاكِمِ إنَّمَا يَكُونُ ضِمْنَ دَعْوَى. كَمَا لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُودِعِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ بِقَوْلِهِ: إنَّ مُوَرِّثِي أَكْمَلَ سِنَّ التِّسْعِينَ وَوَدِيعَتُهُ مَوْرُوثَةٌ لِي فَأَعْطِنِي إيَّاهَا وَأَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ إكْمَالَهُ سِنَّ التِّسْعِينَ فَأَثْبَتَ الْوَارِثُ هَذِهِ الْجِهَةَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ وَإِعْطَاءِ الْوَدِيعَةِ إلَى الْمُدَّعِي.
وَبَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ الْحَاكِمُ وَفَاةَ الْمَفْقُودِ حَقِيقَةً بِالْبَيِّنَةِ إذَا ظَهَرَ الْمَفْقُودُ حَيًّا يَكُونُ الْمُوَرِّثُ الْمَرْقُومُ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَارِثَ. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشُّهُودَ. وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَوْدَعَ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute